كما أنك لا تسمع من ماتت أبدانهم وقبروا في الأرض إسماعاً يترتب عليه الأثر، فهم يسمعون لكن لا يستطيعون أن يؤمنوا ولا أن ينتفعوا بهذا السماع ولو أتيت إلى كافر وقرأت عليه القرآن، وأسمعته كلمة التوحيد لسمع، لكن حيل بينه وبين العمل، فهو في دار انقطع فيها العمل والتكليف، فالميت يسمع لكنه بهذا السماع لا يهتدي ولا ينتفع ولا يستطيع أن يعمل.
وهكذا هؤلاء الذين ماتت قلوبهم يسمعون كما يسمع الموتى من الكافرين ولا ينتفعون، فالله جل وعلا يقول له: {إنك لا تسمع الموتى} : أي حال هؤلاء الأحياء كحال من قُبر، ذاك يسمع ولا ينتفع وهذا يسمع ولا ينتفع، فآل معنى هذا إلى المعنى الأول الذي ذكرناه، وهو عدم نفي السماع عن الأموات إنما هذا تشبيه، كما أن من مات بدنه يسمع ولا ينتفع، يسمع ولا يتبع، يسمع ولا يستطيع أن يثوب، لأنه حيل بينهم وبين العمل، فالكافر كذلك منزلته بمنزلة هذا الميت الذي مات بدنه، ماله من السماع إلا السماع الذي لا يترتب عليه أي أثر، {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} إذا قلنا موتى الأبدان فنقول هذا مثل لموتى القلوب، فمآل هذا إلى ما تقدم، ولذلك إخوتي الكرام شاع عند العرب واستفاض واستعملوه في ألسنتهم نفي الحاسة عن الإنسان إذا لم ينتفع بها، فيقولون إنه أعمى لمن لا ينتفع بعينية، وإنه أصم لمن لا ينتفع بأذنيه، وإنه ميت القلب لمن لا يعي ولا يفقه بقلبه ولا يتبع الهدى، هذا مستعمل عند العرب بكثرة، ولذا يقول قعنب بن ضمرة، وهو من الشعراء (م 95) ويقول له ابن أم صاحب:
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذُكرتُ بسوء عندهم أذنوا