والآيات في ذلك كثيرة، فاستقراء القرآن، وهي الدلالة الثانية إخوتي الكرام، تحتِّم هذا المعنى، وأن المراد من الموتى من ماتت قلوبهم، لا من ماتت أبدانهم، {إنك لا تسمع الموتى} لا تسمعهم إسماع إفهام وتدبر وانتفاع واهتداء، {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} .
وهذا المعنى يقرره ويحتمه الدلالة الثالثة، ألا وهي الغرض الذي سيغت من أجلها هذه الآية،
هذه الآية إخوتي الكرام سيغت لتسلية نبينا عليه الصلاة والسلام فكان يحزن ويأسى لعدم إيمان الكفار به، وكان يضيق صدره ويتبع نفسه حسرات، والله جل وعلا سلاَّه بهذه الآيات، وقال له: هؤلاء ماتت قلوبهم وأمرهم إلى ربهم، وإذا لم يُرد الله هدايتهم فلن تستطيع أنت ولا غيرك هدايتهم، فعلام تحزن إذاً من أجلهم؟
إذاً، وهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا قلنا إن المراد من الموتى موتى القلوب، وأما موتى الأبدان فهو ليس بمكلف بإنذارهم وتبليغهم دعوة ربهم جل وعلا، إنما هو ينذر الأحياء، لكن هؤلاء يسمعون ولا ينتفعون، فكان يحزن نبينا عليه الصلاة والسلام فسلاَّه الله بهذه الآيات، كما قال الله تعالى في آخر سورة الحجر: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (?) ، ومثل هذا قوله تعالى في سورة فاطر: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} (?) .