وهكذا قول الله جل وعلا في سورة فاطر: {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير * وما يستوي الأعمى والبصير} الأعمى هو الكافر، والبصير هو المؤمن، {وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل} وهو الجنة {ولا الحرور} جهنم، {وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمعٍ من في القبور * إن أنت إلا نذير} (?) .
{وما يستوي الأحياء} وهم المؤمنون الذين حييت قلوبهم بمعرفة ربهم وعبادته جل وعلا: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء} فهو الله الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى.
{وما أنت بمسمعٍ من في القبور} ممن ماتت قلوبهم، وصارت هذه القلوب في قبر من أبدانهم فهذه الأبدان صارت قبوراً لذلك الجنان، كما أن القبر في الأرض يصبح قبراً للأبدان، هنا الأبدان قبور للجنان والأرض قبور للأبدان، {وما أنت بمسمعٍ من في القبور} ، ولذلك قال: {إن أنت إلا نذير} : أي أنت عليك أن تبلغ دعوة الله، فالكافر يسمع ولا ينتفع والمؤمن يسمع وينتفع {وما أنت بمسمعٍ من في القبور} : أي من ماتت قلوبهم وقبرت في أبدانهم كما قال القائل:
وفي الجهل قبل الموت لأهله ... موت وأبدانهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور
وهكذا قول الله جل وعلا في سورة (يس) {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حياً} ومن هو الحي هو المؤمن الذي حي قلبه بنور الإيمان {ويحق القول على الكافرين} : الكافرون هنا هم الذين قال الله في حقهم: {فإنك لا تسمع الموتى} ، {لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين} : أي على الميتين الذين يبعثهم الله ليحاسبهم على أعمالهم، {لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين} .