والثاني هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي.. صاحب كتاب الأغاني والذي هلك سنة 235هـ ولم يكتف أن أورد في كتابه الأغاني ما أورد، بل صدَّر كتابه بذم أهل الحديث، وعدم وجود العقل عندهم، عندما يروون الحديث، وهذا هو المعروف – كما قلت – بالسخف والخلاعة في مذهبه، هذان الرجلان طعنا في هذه الجملة، وجاء بعدهما صاحب الشذوذ (ابن حزم) وقال: هذه مقولة باطلة، ولو كان الاختلاف رحمة لكان الاجتماع عذاباً وهذا هو عين ما قاله الجاحظ وعين ما قاله إسحاق بن إبراهيم الموصلي وهذا كلام باطل، وقد فنده الإمام الخطابي في كتابه أعلام الحديث، فقال: إن الشيء وضده قد يجتمعان في الحكمة ويتفقان في المصلحة ن فإذا كان النهار صلاحاً ومعاشاً لا يلزم أن يكون الليل فساداً وضلالاً، وإذا كانت الحياة سبباً والنعمة لا يلزم أن يكون الموت سبباً للشفاء والنقمة، إنما الموت له حكمة، والحياة لها حكمة، والنهار له حكمة، والليل له حكمة، وإذا كان النهار مصلحة لا يلزم أن يكون الليل مفسدة، فكم لظلام الليل عندي من يد تخبّر أن المانويَّة تكذب.
فالاجتماع رحمة، واختلاف الأئمة فيما يشهد له الدليل رحمة، وما أحد قال إن الاجتماع نقمة، ونحن قلنا في أول المقولة، كما قال أئمتنا: (إجماعهم جحة قاطعة – ومخالف الإجماع ضالّ- واختلافهم رحمة واسعة) .
إخوتي الكرام: هذا الأمر ينبغي أن نعيه في هذه الأيام على وجه التمام، لأن الأمة بدأت تتنابز بالضلال والفسق والبدعة دون بصيرة ولا بينة، والشيطان استحوذ على قلوب الناس إلا ما رحم ربك، وأفعال نقلت عن أئمتنا واحتملها الدليل الشرعي وقررها أئمتنا، في هذا العصر تنبذ بالبدعة ويقال: لا شك في أنها بدعة ضلالة.