إخوتي الكرام: كما قلت ما أوجب ذلك أحد وما قال إنه فرض وليس أيضاً في فعله حرج ولذلك ينبغي أن تتسع صدورنا لهذا الأمر الذي قرره أئمتنا، كنت مرة في مدينة نبينا -عليه صلوات الله وسلامه- في زيارة موتى المسلمين من الصحابة فمن بعدهم -رضوان الله عليهم أجمعين- في البقيع وحضرت جنازة دفنت بعد صلاة الفجر في البقيع الطيب المبارك وبعد أن انصرف الناس وقف بعض أهل الموتى وأخرج مصحفاً يقرأ بصوت خافت لا يسمعه من بجواره فمر به بعض الناس وأنكر عليه وقال: هذه بدعة، وهذا ضلال وبدأ يتهجم عليه بالعبارات القاسية، فالرجل خاف وقال: جزاك الله خيراً ووضع المصحف في جيبه، لكنه تلقى هذا الحكم من شيوخه وهو على بينة من أمره ولم يترك ما هو عليه، لكنه لا يريد أن يدخل مع هذا المنكِِِر في جدال وقيل وقال، فبعد أن انصرف هؤلاء وهذا المنكِر وكانوا ثلاثة وقد كادوا أن يصلوا إلى باب البقيع ليخرجوا منه وقف الرجل مكانه وأخرج المصحف وبدأ يقرأ فعادوا إليه فأسمعوه من الكلام الغليظ والسب حقيقة ما لا ينبغي أن يقوله مسلم، فكيف في مدينة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيف مع الصحابة الكرام والموتى بعد ذلك من المسلمين في هذا المكان وأنا أراقب المشهد من أوله لآخره فدخلت معهم في الكلام قلت: إخوتي لم تنكرون؟ قالوا هذا بدعة وضلال ولا يجوز أن يفعل، قلت: ومن قال إنه بدعة؟ هل عندكم دليل من كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- وكلام سلفنا في الزجر عن هذا؟ قالوا: أنت ما دليلك على الجواز؟ قلت هذا منقول عن سلفنا وفيه سعة إن شاء الله، قالوا عمن نقل؟ قلت نقل عن ابن عمر -رضي الله عنهما- والأثر ثابت عنه، قالوا: مذهب الصحابة ليس بحجة، قلت: قرره الإمام المبجل أحمد بن حنبل، وعلى هذا المذهب الحنبلي بكامله أن قراءة القرآن عند القبور جائزة، هذا في المغني، قالوا: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، فالإمام أحمد ليس بحجة.