إخوتي الكرام: وهذا الأمر الذي دلت عليه هذه الآثار وتعتضد ببعضها هو الذي أفتى بموجبه أئمتنا الأبرار هو الذي أفتى بُموجبها أي بموجب الآثار أئمتنا الأبرار -عليهم جميعاً رحمات العزيز الغفار- فهذا قتادة والأثر ثابت عنه في سنن البيهقي بإسناد صحيح أنه كان يقول الخشوع في القلب وإلباد البصر في الصلاة أي: يحصل الخشوع بهذين الأمرين أن يخشع القلب وأن يتفكر وأن يتدبر والباد البصر في الصلاة وإلباد البصر أي سكونه بحيث يكون إلى موضع السجود ولا يتجاوز ذلك فهو مستقر ثابت الخشوع في القلب والباد البصر في الصلاة وروى مثل هذا عن شيخ الإسلام محمد بن سيرين أيضاً -عليهم جميعاً رحمة الله- أنه كان إذا صلى لا يجاوز بصرُه موضع سجوده وكان يعجبه ذلك للمصلى أي إذا صلى الإنسان أن لا يجاوز بصره موضع سجوده وهذا الذي نص عليه أئمتنا الفقهاء -عليهم جميعاً رحمة الله-.
كما قرر هذا شيخ الإسلام الإمام النووي في المجموع، وشيخ الإسلام الإمام ابن قدامه في المغنى وعلى هذا أيضاً كتب المذاهب الأخرى كما في الفقه الحنفي في رد المحتار على الدر المختار للإمام محمد بن عابدين -عليهم جميعاً رحمات رب العالمين- وحاصل ما ذكروه أن الإنسان ينبغي في صلاته أن يضع بصره موضع سجوده في جميع أحوال صلاته سواء كان قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو جالساً وهذا هو الذي نقل عن الإمام أحمد وقال الإمام النووي إنه أصح القولين وهناك قولٌ حكى في كتب الفقه أيضاً وهو أن هذه الآثار التي تدل على وضع البصر موضع السجود تُحمل على حاله الوقوف والقيام فإذا كان الإنسان قائماً يضع بصره موضع سجوده وأما إذا ركع فينبغي أن ينظر إلى قدميه وأما إذا سجد فينبغي أن ينظر إلى أرنبة أنفه وأما إذا جلس فينبغي أن ينظر إلى حجره بحيث لا يتجاوز نظره رؤوس أصابعه وهذه الكيفية منقوله عن شريك بن عبد الله ورجحها الإمام البغوي -عليهم جميعاً رحمة الله-.