إخواتي الكرام: هذا لابد الآن من المحاكمة، عند ذكرنا للأمر الثاني فيما يتعلق بمصير فاعل الكبيرة في الجنة في آخر الأمر إن شاء الله، إنما نحن لازلنا في الأمر الأول: العقوبة عدل، والمغفرة فضل، كل وعيد مقيد بقيدين: عدم التوبة، وعدم المغفرة.
أنظروا لهذه المناظرة المحكمة التي جرت بين شيخ أهل السنة في ذلك الزمان أبى عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة قارئ البصرة ـ وبين عمرو بن عبيد المؤسس الثاني لمذهب الاعتزال، اجتمعا في مجلس، فقال، عمرو بن عبيد ليرد علي مذهب أهل السنة: إن الله وعد وعدً، وأوعد وعداً إعاداً، فهو مجز إيعاده كما هو منجز وعده. أي كما أنه لا يخلف الميعاد في الموعد. ومن وعده ثواباً سيحققة له فمن وعده عقاباً وتهدده سينزله عليه، والله لا يخلف هذا ولا هذا، لأن كل منهما من باب الخبر، والله لا يخلف الخبر وسيحققه، فسيحقق وعده ووعيده.
فقال: أبو عمر بن العلاء لعمرو بن عبيد: إنك أعجمي، لا أقول انك اعجم اللسان لكنك اعجم القلب (?) إن خلف الوعيد كرم ولخف الوعد لؤم. ألم تسمع إلى قول الشاعر:
ولا يرهب ابن العم ما (بياض) ... ولا يختشي من صولتي المتهدد
وإني وإن وعدته أو أوعدته ... لمخلف إيعادى ومنجز موعدي (?)