السيئات والذنوب مهما كثرت وتنوعت وكانت ضمن أجناس أربعة ولها فروع كثيرة سببها فساد إحدى أمرين في الإنسان لا ثالث لهما:
1. إما فساد في قوته العلمية النظرية.
2. وإما فساد في قوته العملية الإرادية.
فإذا فسدت القوى العملية النظرية يقع في الشبهات. وإذا فسدت القوة العملية الإرادية يقع في الشهوات. وهما منبع جميع الآفات. شبهة وشهوة. كل معصية لا تخرج عن أحد هذين النوعين إما شبهه سببها فساد القوى العلمية عند الإنسان أي ما عرف الحق وما عرف العلم النافع وما رزق بصيرة فتخبط فأشرك بالله - عز وجل - وعبد حجرا لا يضر ولا ينفع، وتوكل على مخلوق وعظم مخلوقاً وأثنى عليه وترك الخالق جل وعلا.. ما سبب هذا؟ فساد في القوى العلمية. هو لو علم أن هذا المخلوق لا يملك لنفسه ـ فضلاً عن غيره ـ ضراً ولا نفعاً لما عبده من دون الله لما جىء بسيد المسلمين في زمنه سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين إلى الحجاج الظالم المشهور سفاك الدماء قال له: لأقتلنك قتلة ما قتلت بها أحداً ـ أخبث قتلة. ثم قال له: وستوردك هذه القتلة ناراًَ تلظي. قال أيها الأمير: لو كنت كذلك ما اتخذت إلهاً غيرك. إذا كان بيدك أن تدخلني ناراً تلظي لعبدتك من دون الله. نعم بيدك أن تقطع الرقبة. كما قال السحرة لفرعون ((فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) (?) وهذه: القاضي والمقضي عليه الكل سيقضى عليه في النهاية ((إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)) (?) أين الجبابرة الذين سفكوا من الدماء ما لو جمع لسار منه نهر عظيم؟ أين هم؟ ذهبوا بعد ذلك ولحقوا من سفكوا دمائهم. تقضي هذه الحياة الدنيا وهذه حياة دنيئة قريبة الزوال لا وزن لها عند الله ولا تعدل عند الله جناح بعوضه. ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى منها كافراً جرعة ماء لهوان الكافر على الله جل وعلا.