إخوتي الكرام: قبل أن ندخل في المبحث الرابع أحب أن أشير إلى قصة طريفة نقلها أئمتنا في ترجمة أبى الحسن على بن عيّاش ـ وهو من رجال صحيح الإمام البخاري وأخذ بحديثه أهل السنن الأربعة وهو حافظ عابد توفى سنة 219 هـ ـ. استدعى هذا العبد الصالح من بلاد الشام ليقابل الخليفة المأمون فلما دخل عليه وكان الوسيط في ذلك يحيى بن أكثم: القاضي فلما دخل على بن عياش سلم وتبسم. ثم بكى وأكثر من البكاء والنحيب. فقال الخليفة المأمون ليحي بن أكثم: أدخلت على مجنوناً يبتسم ثم يبكى! قال الإمام الذهبي علية رحمة الله في سير أعلام النبلاء. وإنما لبتسم لأنه سلم على مسلم ـ والخليفة المأمون وغيره مهما دخلوا في أمور الجور ما زالوا ضمن دائرة الإسلام لا اله إلا اله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرنا أن نبش وان نبتسم في وجوه المسلمين لكنه نظر بعد ذلك إلى مجلس المأمون فرأى الكبر والجبروت فبكى حزناً على هذه الحالة التي أفضى إليها حال المسلمين فإذن هذا الحال كأن هذا المخلوق الضعيف بنازع الله القوى بتلك الأوصاف الجليلة الجميلة العظيمة. العظمة حب المدح. يدخل بعد ذلك إلى هذا القصر تعظيم ومدح وثناء وما شاكل هذا وحقيقة إذا كان الأمر كذلك هذا يستدعى البكاء فقال يحي بن أكثم للخليفة المأمون: يا أمير المؤمنين ما دخل عليك أحد من أهل الشام أفضل منه. هو خير أهل الشام إلا أبا المغيرة. فكيف أنت تقول أنه مجنون؟ لكن هذا البكاء ينبغي أن يكون واعظاً لك لما أنت عليه من معصية الله ومخالفته. اتصفت بأشنع الذنوب وأقبحها وأخبثها وهى ذنوب تنازع بها الله جل وعلا في الربوبية من الكبر وحب المدح والعظمة والتعالي وهذا لا يليق بمخلوق ولا يجوز لمخلوق أن يأخذه وبذلك لما دخل عليك سلم وابتسم ثم بكى وأكثر من النحيب والبكاء على بن عياش عليه وعلى أئمة المسلمين رحمة الله ورضوانه.

المبحث الرابع

أسباب الذنوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015