الأمر الثاني: البيع في الغالب يكون مقابل إعطاء سلعة وأخذ نقد، وأما الشراء ففي الغالب أن يعطي الإنسان نقداً ويأخذ سلعة، والنفوس البشرية تتعلق بالنقد وتميل إليه أكثر من ميلها إلى السلع، إذاً البيع محبوبٌ إلى النفس أكثر من الشراء؛ من أجل أن يحصِّل الدراهم والدنانير ويملأُ جيبه من هذه الفلوس، فالتلهي في البيع أكثر من التلهي بالشراء؛ ولذلك خصه الله جل وعلا بعد التجارة بالذكر.
والأمر الثالث: وهو معتبرٌ أيضا، التجارة يمكن أن تكون عن طريق الجلب، وأن يجلب الإنسان البضائع والسلع من أماكن أخرى بواسطة من يحملها له، وأما البيع فيكون عندما يُصَرِّفُها عن طريق يديه وبيديه، فالإلهاء بالبيع أكثر من التجارة التي تجلب من كل جهةٍ، ومن كل مكان، عن طريق من يحملها، ومن يُوصلها إليه.
{لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} إذاً عروض: الدنيا أمتعتها، زخرفها، زينتها، لا يشغلهم ذلك عما أوجبه الله عليهم.
عباد الله: كيف ينتهي هؤلاء الرجال العقلاء بمتاع الدنيا وزينتها، وكلها سريعة الزوال إلى فناءٍ، لا تبقى ولا تدوم، وليس لها عند الحي القيوم أي وزنٍ وأي اعتبار، كيف يتلهى هؤلاء الرجال، الذين نُعِتُوا بأنهم رجال؟ كيف يتلهون ويشغَلَون بمتاع الدنيا وزينتها؟ والدنيا من أولها وآخرها ليس لها قدرٌ عند ربها جل وعلا.