الأمر الثاني: أما ما يتساءل عنه كثيرٌ من الناس، لمَ ذكر الله البيع بعد التجارة وما البيع إلا نوعٌ من التجارة؛ فالتجارة بيعٌ وشراء، وأخذٌ وإعطاء، فلم خُصَّ البيع مع أنه يدخل في ضمن التجارة؟ وهل تكون التجارة دون أن يبيع الإنسان ويشتري؟ لا، ثم لا؛ فالتجارة قائمة على أمرين؛ يشتري التاجر ما يشتريه، ثم بعد ذلك يبيعه لحصول ربحٍ فيه، فعلامَ خص الله البيع بعد التجارة وهو داخلٌ في التجارة؟ ولِمَ لَمْ يذكر الله جل وعلا الشراء بعد التجارة كما ذكر البيع؟ فالبيع يدخل في التجارة والشراء يدخل في التجارة فعلامَ ذكر الله البيع بعد التجارة دون الشراء؟ وما الحكمة من ذكر هذا الخاص بعد دخوله في لفظ التجارة؟ إنما ذكر الله البيع بعد التجارة لثلاثة أمورٍ معتبرة: (1) لأن البيع هو أدخل في الإلهاء من الشراء من ثلاثة أوجه:
فالتجارة بيعٌ وشراء؛ لكنَّ التلهي والاشتغال يكون في البيع أكثر ما يكون في الشراء وذلك من ثلاثة أوجه كما قرر هذا أئمتنا العلماء:
أولها: البيع في الغالب الربح فيه مضمونٌ متيقنٌ، وأما الشراء فربح فيه غيبٌ مستقبل، وذلك مظنونٌ أو مشكوكٌ فيه.
التاجر عندما يبيع السلعة في الغالب حصل ربحاً، وأما عندما يشتري الأمر موقوف على المستقبل، قد يباع السلعة بربحٍ وقد تباع بخسارة، وأما البيع فهذا ربحٌ متيقنٌ؛ فلا يلهيه البيع والشراء، لا تلهيه التجارة، ثم ذكر ما هو أدخل في الإلهاء، وما ينبغي أن يُنَصَّ عليهُ لبيان قدر هؤلاء الرجال، وكمال عقولهم، وطاعتهم لربهم. هذا البيع الذي فيه الربح متيقن إذا حان وقت طاعة الله جل وعلا والإحسان إلى عباد الله، يقومون بذلك على وجه التمام، ولا يشتغلون بالبيع الذي الربح فيه - كما قلنا - حاضر متيقنٌ لا شك فيه.