التنبيه الأول: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} فأثبت الله لهم التجارات والبيوع في هذه الحياة، وهذا من كمال رجولتهم، لئلا يحتاجوا إلى غير ربهم جل وعلا؛ فهم يزاولون البيوع والتجارات في هذه الحياة؛ لكن لا يشغلهم ذلك طرفة عين عن الحقوق والواجبات، وعن طاعة رب الأرض والسماوات، وهذا المعنى هو المعنى الحق الذي ينبغي أن تفسر به الآية، ولا يجوز أن تحمل على غير ذلك، وما ذهب إليه بعض الناس، من أن الله جل وعلا نفى التلهي والالْتِهَاءَ عن من يعمرون بيوته لعدم وجود تجارةٍ وبيعٍ عندهم؛ فهو معنىً ركيك، ينبغي أن يتنزه عنه كلام الله جل وعلا، قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله: "إنما أثبت الله لهم البيوع والتجارات، وأخبر أن هذه البيوع، وتلك التجارات لا تلهيهم عن طاعة رب الأرض والسماوات؛ فهذا أمدح لهم وأحسن في أوصافهم، فعندهم عرض الدنيا لكن في الأيدي، ولا أثر له في القلوب، وإذا نادى منادي طاعة الله جل وعلا أسرعوا إليه ولبوه". وقال الإمام الرَّازي: "هذا المعنى الذي قاله بعض الناس فاسدٍ باطل؛ فلا يقال فلانٌ لا تلهيه تجارته ولا بيعه إلا إذا كان يزاول البيع والشراء؛ فهم يزاولون البيوع ويعملون التجارات في هذه الحياة، لكنَّ ذلك لا يشغلهم عن طاعة رب الأرض والسماوات.