والحادثة الثانية جرت في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-ولا تخلوا أمة من شوائب، لكن العبرة للخط العام، الخط العام والحياة العامة في حياة نبينا -عليه الصلاة والسلام-، حياةٌ نقيةٌ طيبةٌ، ولا يعني أنه لا يوجد فيها شوائب فالناس يعيشون في الأرض فلا يعيشون في السماء، وفي حياتنا الخط العام فسادٌ واعوجاج، والخير قليلٌ يسير فالعبرةُ دائماً للخط العام، والأمور الغالبة، إنما تقع شوائب في كل عصرٍ، وفي كل مصر.
ثبت في مسند الإمام أحمد، والحديث رواه أهل السنن الأربع، باستثناء أبي داود، وهو مرويٌ في صحيح ابن خزيمة، وابن حبان، ومستدرك الحاكم، وصححه الحاكم، وأقره عليه الذهبي، وصححه عددٌ من أئمتنا عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، والذي مال إليه ابن كثير في تفسيره عند قول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} (?) عند هذه الآية، مال الإمام ابن كثير -عليه رحمة الله- إلى أن الأثر من رواية أبي الجوزاء، عن ابن عباسٍ موقوفاً على أبي الجوزاء، ولم يرفعه إلى ابن عباس، ورفْعهُ كما قلت صحيحٌ ثابت، ولفظ الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت امرأة وضيئةٌ تشهد الصلاة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-في مسجده، وهذا قبل أن يفرض الحجاب فكان الصحابة الكرام يتقدمون إلى الصفوف الأولى لئلا يروها ولئلا يقتربوا منها ويقربوا منها، وكان بعض الناس يتأخر فيصلي في مؤخرة الصفوف فإذا سجد نظر إليها من تحت إبطيه) وهو في سجوده مع النبي -عليه الصلاة والسلام-فأنزل {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} .
علم الله من يتقدم، ومن يتأخر، من يتقدم لئلا يقْرُب من هذه المرأة، ومن يتأخر من أجل غرض خسيسٍ خبيث، ولعله كان يفعل هذا بعض المنافقين والعلم عند رب العالمين.