الحالة الأولى: وجد الأهبة، ونفسه مشتاقةٌ، وخشيَ من الوقوع في الزنى النكاح فرض، إنما وجد الأهبة ونفسه تشتاق، ويأمن على نفسه من الوقوع في الزنى يقول أبداً لو جاء نساء الدنيا بأسرهن إليَّ وراودنني لأعرض عنهن ولا نظرت لواحدة منهن، قلبي لا يتعلق بغير ربي، نعم نفسي تميل إليها عن طريق الحلال، لا عن طريق الحرام، فهو يأمن على نفسه من المحظور، فالنكاح في هذه الحالة الثانية عند الحنفية سنةً مؤكدة، أفضل من التعلم والتعليم، بل أفضل من الجهاد في سبيل رب العالمين، قالوا لو تزوج في هذه الحالة أفضل من أن يجاهد لم؟ قالوا ذاك طاعة متعدية، وهذا طاعة متعدية، لكن التعدي في النكاح أعظم، كيف هذا؟ انظروا لهذا التعليل وهذا الفقه الذي يستنبطه فقيهٌ الملة أبو حنيفة النعمان بن ثابت -رحمه الله ورضي عنه- يقول: الإنسان إذا جاهد يحافظ على الصفة، وإذا تزوج يحافظ على الصفة والموصوف، وطاعةٌ تحافظ بها على الصفة والموصوف أعظم من طاعةٍ تحافظ بها على الصفة، ما معنى ذلك؟ أنت عندما تقاتل في سبيل الله تحافظ على عز الإسلام وبقاء الإسلام لئلا يندرس دين الرحمن، لئلا يقضيَ الكافرون على شرائع الإسلام فحافظت على الإسلام أي على هذه الصفة، لكن إذا تزوجت أنجبت مثله وحافظت على دين رب العالمين، أوجدت موصوفاً وصفةً، الإسلام فيهم وهم مسلمون، أما القتال لا يلزم منه إيمان من تقاتلهم، وإذا قاتلت أهل الذمة ورضوا أن يدخلوا في عهدك على أن يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ليس لك حقٌ بعد ذلك أن تكرههم على الدخول في الإسلام، وقد تقتلهم ويموتون على الكفر، فإذاً لا يلزم من الجهاد أن يسلم من تقاتلهم، لا يلزم، قال أئمتنا: ولو قدر إسلام من قاتل وهم بجهادنا، فعدد من يُسلم بجهادنا قليل، قليل بالنسبة لعدد من يحصل بتزاوجنا ونكاحنا، فواقع الأمر كذلك، يعني أفراد الأمة كثروا بسبب التناكح أو بسبب الجهاد في سبيل الله؟ بسبب التناكح، إذاً الزواج.