وعاصم بن ثابت الذي قُتل وهو أمير السرية -رضي الله عنه-، عاصم الذي قتل عندما أراد المشركون بعد قتله أن يأخذوا جسده وليمثلوا به ويكون دليلاً على أنهم قتلوه أرسل الله النحل (الدَبْر) لتحميه فصارت عليه كالظله، فما استطاع مشركٌ أن يقترب من بدنه، إذ حفظه الله كرامة له وكتب له الشهادة، كرامة أيضاً له ليزيد في أجره عندما يلقى ربه -سبحانه وتعالى-، الشاهد إخوتي الكرام: أن المؤمن عندما يُعرِض عن الدنيا ويُقبل على الآخرة لا يبالي على أي جنبٍ كان في الله مصرعه، وهذا أوان لقاء الحبيب ولا أفلح من نَدِم، وإذا جاء الموتُ الرجلَ الصالح يقول: مرحباً بحبيبٍ جاء على فاقة غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه -عليه صلوات الله وسلامه-، ولما قيل لخبيب -رضي الله عنه- عند قتله هل يسرك أن محمداً عليه الصلاة والسلام مكانك وأنت في بيتك مع أهلك آمن؟ قال: يا قوم والله ما يسرني أن يَفْدِيَني محمدٌ عليه الصلاة والسلام بشوكة في قدمه، لو أوشيك بشوكة في قدمه لكان أصعب علي من قتلي، أُقتل ويسلم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
إذاً -إخوتي الكرام- الموتُ تحفة المؤمنين، وإذا أخلص الإنسان لله وآمن به واتبع رسوله –صلى الله عليه وسلم- سيفرح بالموت ويتطلع إليه ويشتاق إليه وسيكون الموت حبيباً له.
إخوتي الكرام: قررت هذا بأدلة كثيرة وبينت أن ما ورد من أدلة تبين أن المؤمن يكره الموت وينفر منه، فقلت: إن هذه النفرة نفرة طبيعيةٌ جبليةٌ غريزيةٌ والمؤمن يحب الموت حباً اختيارياً شرعيا، وهذا الحب يظهر على وجه التمام والكمال كما تقدم معنا عند السياق والاحتضار عندما يبشر بلقاء العزيز الغفار فيحب لقاء الله فيحب الله لقائه.