امرأة من أهل ذلك البيت: كنت أرى عنقوداً من العنب كرأس الثور عند خبيب بن عدي يأكل منه ووالله ما في مكة حبة عنب، إنما ينزل عليه رزقٌ من السماء {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (?) فلما أجمعوا قتله وأخرجوه من الحرم إلى الحل إلى التنعيم ليقتلوه -سبحان الله- يريدون فتنته عن دينه ويريدون قتل مؤمن لأنه آمن بالله وبرسوله –صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لا زالوا يعظمون الحرم، فأرادوا أن يُخرجوه من ساحة الحرم ليقتلوه في الحل، فطلب منهم أن يصلي ركعتين، وهو أول من سنَّ لمن يُقتل في سبيل الله صَبْراً، -وقتل الصبر- أن يموت الإنسان في غير المعركة، أن يقبض عليه ثم بعد ذلك ينفذ فيه القتل إما عن طريق الصلب أو الشنق أو الرصاص أو السكين أو غير ذلك هذا يقال قتل الصبر - هو أول من سنَّ صلاة ركعتين لمن يُقتل صَبْراَ ثم قال: والله لولا أن تروا أن بي جزعٌ من الموت لزدت في الصلاة ثم التفت إلى المدينة المنورة كما في مغازي موسى بن عقبة وقال: اللهم بلغ رسولك مني السلام، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- يقتل الآن خبيب ثم قال وعليك السلام يا خبيب -رضي الله عنه وأرضاه- وأنشد أبياته الجميلة الحلوة الرقيقة التي تدل على تعلق المؤمن بربه فقال:
ولستُ أُبَالي حين أُقْتَلُ مُسْلِماً ... على أي جَنْبٍ كان في الله مَصْرِعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأْ ... يُبَارك على أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعٍ
ثم قتلوه -رضي الله عنه وأرضاه- ولا يقولن قائل -إخوتي الكرام- كيف أكرمه الله بعنقود من العنب، بقطف من عنب، ولم يكرمه بالسلامة من الأعداء؟، لو أراد الله أن يُسَلِّمَهُ لَسَلَّمَهُ وهو على كل شيءٍ قدير. لكن أراد أن يكتب له الظفر برتبة الشهادة.