ثم نبت صنف ثالث، وهم أهل الكلام، فركبوا مذهباً جديداً جمعوا به بين الكفر والإيمان حيث أثبتوا ما يكون في الآخرة من عذاب وإحسان، وقالوا: إن ذلك حقيقة على غير ما يتوهمه الإنسان، وهذا خلاف ما قرره الفلاسفة أتباع الشيطان، وهو قول أهل السنة الكرام، لكنهم أركسوا بعد ذلك في الهذيان، فحرفوا الكلام عن مواضعه في صفات ربنا الرحمن، فحملوها على الكنايات والرمز ومنكر الأوهام، وهذا خلاف قول أهل الإيمان، وهو قول الفلاسفة اللئام.

وبذنيك المسلكين كانوا متناقضين، وبين حزب الإيمان وحزب الشيطان مذبذبين ـ وترتب على قولهم نصرة مذهب الفلاسفة الملعونين، لأنه إذا جاز صرف الكلام عن ظاهره في صفات رب العالمين، حسبما يتخرص بعض المتوهمين، فيجوز أيضاً صرف الكلام عن ظاهره في إخبار رب العالمين، عما يكون في الآخرة من نعيم للمؤمنين، وجحيم للعتاة الطاغين (?) . نسأل الله الكريم إيمان الراسخين، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، مع عباده المتقين في عليين، آمين أمين والحمد لله رب العالمين.

المثال الثاني: "الروح":

... وجود الروح في الإنسان، يدل على صحة طريقة أهل السنة، في إيمانهم بصفات ربهم ذي الجلال والإكرام، ووجه ذلك: أن الروح موصوفة بصفات، توافق الأجسام المشاهدات، ومع ذلك فلا تماثل بين صفات الأرواح، وصفات الأشباح (?) ، وبينهما من البون، ما لا يعلمه إلا رب الكونين، وعقول العباد عاجزة عن تكييف الروح، وقاصرة عن تحديدها، لأنهم لم يشاهدوها ولم يشاهدوا لها نظيراً، وحقيقة الشيء لا تدرك إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015