قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله، إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له، وتابع له، فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره، وتكليمه، واستوائه ونزوله، وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر، مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء، فسمعه وبصره وكلامه، ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر، وهو متصف بصفات الكمال، لا يشابهه فيها سمع المخلوقين، وبصرهم، وكلامهم، ونزولهم، واستوائهم 10هـ وبمثل هذا قرر شيخنا محمد الأمين – عليه رحمة رب العالمين – طريقة أهل السنة المكرمين، وفند أوهام أهل البدع الزائفين، فقال: نقول لمن سأل عن بيان كيفية الصفات: هل عرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة بهذه الصفات؟ فلابد أن يقول: لا. فعند ذلك نقول: معرفة كيفية الصفات تتوقف على معرفة كيفية الذات. فالذات والصفات من باب واحد، فكما أن ذاته تخالف جميع الذوات، فإن صفاته تخالف جميع الصفات، ومعلوم أن الصفات تختلف باختلاف موصوفاتها، ألا ترى مثلا ً إلى لفظة "رأس" كلمة واحدة؟ إن أضفتها إلى الإنسان فقلت: رأس الإنسان، وإلى الوادي، قلبت: رأس الوادي، وإلى المال فقلبت: رأس المال، وإلى الجبل قلبت: رأس الجبل، فإن كلمة "الرأس" اختلفت معانيها، وتباينت تبايناً شديداً بحسب اختلاف إضافتها، مع أنها مخلوقة حقيرة، فما بالك بما أضيف من الصفات إلى رب البريات، وما أضيف منها إلى المخلوقات، فإنما تتباين كتباين الخالق والمخلوق، كما لا يخفى (?) .