فأسم الإشارة واحد عرف الناس فقط هو الذى خص تلك بأنها للبعيد وهذه للقريب، يقول هذا مثل لفظ الدآبة، الدابة موضوعة فى اللغة لكل ما يدب ويمشى على وجه الأرض من إنسان وغيره، كون العرف الإستعمالى عند الناس خصها بالبهائم بالدواب ولا يطلقون على الإنسان لفظ دابة يكون هذا عرفاً للناس، عرف إصطلاحى إستعماله، لكن لو جاء وأطلق متكلماً على الإنسان لفظ الدآبة {وما من دآبة فى الأرض إلاّ على الله رزقها} {وكأين من دآبة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم} سبحانه وتعالى، فإذاً قوله: تلك، المراد من إسم الإشارة هذه، قل لا إشكال فى ذلك من ناحية الوضع وأصل الإستعمال فى اللغة تلك وهذه سواء، لكن هذا فى الإستعمال إصطلاح الناس يفرقون بين تلك وبين هذه كما يفرقون بين هذا وذلك، هذا إصطلاح للناس لكن الوضع اللغوى ليس كذلك، قال الإمام الألوسى عليه رحمه الله معلقاً على كلام الإمام الرازى: هذا كلام مخالف لما قرره علماء اللغة {وفوق كل ذى علم عليم} أى أن صيغة إسم الإشارة هذا بمعنى ذلك وهذه بمعنى تلك وهذه يشار بها الى قريب وبعيد وهذه الى قريب وبعيد والصيغة واحدة فى الوضع اللغوى، قل ليس كذلك، علماء اللغة يخالفون فى هذا {وفوق كل ذى علم عليم} والذى نخلص منه فى نهاية هذا المبحث القول الأول، إسم الإشارة تلك هنا، المراد منه على القول الأول شىء قريب حاضر {تلك آيات الكتاب} بمعنى هذه، لكن إختلف الأئمة فى تعليل هذا القول على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب إليه ابن كثير وابو عبيدة معمر ابن المثنى، وغيرهما من أئمة الإسلام،: الى أن أسماء الإشارة تتناوب وتتعاوض ويؤتى بهذه بدل تلك فلا حرج فى ذلك، مع أن تلك موضعة للبعيد وهذه موضعة للقريب لكن تتناوب.