ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم (أي يجلبون الغرباء إلى مجلسه صلى الله عليه وآله وسلم ليستفيدوا من مسألتهم ما لا يستفيدونه عند عدم وجودهم) ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام» (انتهى ما رواه الترمذي) ، ومن شمائله عليه الصلاة والسلام أنه كان أعلم الناس، وأورع الناس، وأزهد الناس وأعدل الناس، وأحلم الناس، وأعف الناس، لم تمس يده يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها، أو لا تكون ذا محرم منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لا يواجه أحدًا بمكروه، ولا يتعرض في وعظه لأحد معين، بل يتكلم خطابًا عامًا، كان يقبل على أصحابه بالمباسطة حتى يظن كل منهم أنه أعز عليه من جميع أصحابه.
كان أشد الناس حياءً لا يثبت بصره في وجه أحد، كان يجيب دعوة الحر والعبد ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، أو فخذ أرنب، ويكافئ عليها، ويأكلها ولا يأكل الصدقة، كان يعود مرضى المساكين الذين لا يؤبه لهم. كان يتلطف بخواطر أصحابه ويتفقد من انقطع عن مجلسه، وكثيرًا ما يقول لأحدهم لعلك يا أخي وجدت مني أو من إخواننا شيئًا، كان يحب الطيب ويكره الرائحة الرديئة، كان يكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل