الحديثة، التي تتمثل فيها كل خصائص الجاهلية القديمة من النواحي الأخلاقية والاجتماعية وتصور أهداف الحياة الإنسانية وغاياتها كذلك! على الرغم من فتوحات العلم المادي والإنتاج الصناعي، والرخاء الحضاري! «وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ».

ضلال في التصور والاعتقاد، وضلال في مفهومات الحياة، وضلال في الغاية والاتجاه، وضلال في العادات والسلوك. وضلال في الأنظمة والأوضاع، وضلال في المجتمع والأخلاق ..

والعرب الذين كانوا يخاطبون بهذه الآية كانوا يذكرون - ولا شك - ماضي حياتهم وأوضاعهم، ويعرفون طبيعة النقلة التي نقلهم إليها الإسلام، وما كانوا ببالغيها بغير الإسلام وهي نقلة غير معهودة في تاريخ بني الإنسان.

كانوا يدركون أن الإسلام - والإسلام وحده - هو الذي نقلهم من طور القبيلة، واهتمامات القبيلة، وثارات القبيلة، لا ليكونوا أمة فحسب. ولكن ليكونوا - على حين فجأة ومن غير تمهيد يتدخل فيه الزمن - أمة تقود البشرية، وترسم لها مثلها، ومناهج حياتها، وأنظمتها كذلك، في صورة غير معهودة في تاريخ البشرية الطويل.

كانوا يدركون أن الإسلام - والإسلام وحده - هو الذي منحهم وجودهم القومي، ووجودهم السياسي ووجودهم الدولي .. وقبل كل شيء وأهم من كل شيء .. وجودهم الإنساني، الذي يرفع إنسانيتهم، ويكرّم آدميتهم، ويقيم نظام حياتهم كله على أساس هذا التكريم، الذي جاءهم هدية ومنة من لدن ربهم الكريم.

والذي أفاضوه هم على البشرية كلها بعد ذلك، وعلموها كيف تحترم «الإنسان» وتكرمه بتكريم اللّه. غير مسبوقين في هذا، لا في الجزيرة العربية، ولا في أي مكان .. وفي اللفتة السابقة إلى «الشورى» طرف من هذا المنهج الإلهي، الذي كانوا يدركون فيه عظم المنة عليهم من اللّه.

وكانوا يدركون أن الإسلام - والإسلام وحده - هو الذي جعل لهم رسالة يقدمونها للعالم، ونظرية للحياة البشرية، ومذهبا مميزا للحياة الإنسانية .. والأمة لا توجد في الحقل الإنساني الكبير إلا برسالة ونظرية ومذهب، تقدمه للبشرية، لتدفع بالبشرية إلى الأمام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015