. والجاهلية التي تتمرغ البشرية اليوم في وحلها، لا تختلف في طبيعتها عن تلك الجاهلية العربية أو غيرها من الجاهليات التي عاصرتها في أنحاء الأرض، حتى أنقذها منها الإسلام وطهرها وزكاها.
إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير! ونظرة إلى صحافتها وأفلامها ومعارض أزيائها. ومسابقات جمالها، ومراقصها، وحاناتها. وإذاعاتها. ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري، والأوضاع المثيرة، والإيحاءات المريضة، في الأدب والفن وأجهزة الإعلام كلها .. إلى جانب نظامها الربوي، وما يكمن وراءه من سعار للمال، ووسائل خسيسة لجمعه وتثميره، وعمليات نصب واحتيال وابتزاز تلبس ثوب القانون (?) .. وإلى جانب التدهور الخلقي والانحلال الاجتماعي،الذي أصبح يهدد كل نفس وكل بيت، وكل نظام، وكل تجمع إنساني .. نظرة إلى هذا كله تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه البشرية في ظل هذه الجاهلية.
إن البشرية تتآكل إنسانيتها، وتتحلل آدميتها، وهي تلهث وراء الحيوان، ومثيرات الحيوان، لتلحق بعالمه الهابط! والحيوان أنظف وأشرف وأطهر. لأنه محكوم بفطرة حازمة لا تتميع، ولا تأسن كما تأسن شهوات الإنسان حين ينفلت من رباط العقيدة، ومن نظام العقيدة، ويرتد إلى الجاهلية التي أنقذه اللّه منها، والتي يمتن اللّه على عباده المؤمنين بتطهيرهم منها في تلك الآية الكريمة: «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» ..
وكان المخاطبون بهذه الآية أميين جهالا. أمية القلم، وأمية العقل سواء. وما كان لهم من المعرفة شيء ذو قيمة بالمقاييس العالمية للمعرفة، في أي باب من الأبواب. وما كان لهم في حياتهم من هموم كبيرة تنشئ معرفة ذات قيمة عالمية في أي باب من الأبواب. فإذا هذه الرسالة تحيلهم أساتذة الدنيا، وحكماء العالم، وأصحاب المنهج العقيدي والفكري والاجتماعي والتنظيمي، الذي ينقذ البشرية كلها من جاهليتها في ذلك الزمان. والذي يرتقب دوره في الجولة القادمة - بإذن اللّه - لإنقاذ البشرية مرة أخرى من جاهليتها