وقد كان الإسلام، وتصوره للوجود، ورأيه في الحياة، وشريعته للمجتمع، وتنظيمه للحياة البشرية، ومنهجه المثالي الواقعي الإيجابي لإقامة نظام يسعد في ظله «الإنسان» .. كان الإسلام بخصائصه هذه هو «بطاقة الشخصية» التي تقدم بها العرب للعالم، فعرفهم، واحترمهم، وسلمهم القيادة.

وهم اليوم وغدا لا يحملون إلا هذه البطاقة. ليست لهم رسالة غيرها يتعرفون بها إلى العالم. وهم إما أن يحملوها فتعرفهم البشرية وتكرمهم وإما أن ينبذوها فيعودوا هملا - كما كانوا - لا يعرفهم أحد، ولا يعترف بهم أحد! وما الذي يقدمونه للبشرية حين لا يتقدمون إليها بهذه الرسالة؟

يقدمون لها عبقريات في الآداب والفنون والعلوم؟ لقد سبقتهم شعوب الأرض في هذه الحقول. والبشرية تغص بالعبقريات في هذه الحقول الفرعية للحياة. وليست في حاجة ولا في انتظار إلى عبقريات من هناك في هذه الحقول الفرعية للحياة! يقدمون لها عبقريات في الإنتاج الصناعي المتفوق، تنحني له الجباه، ويغرقون به أسواقها، ويغطون به على ما عنده من إنتاج؟؟ لقد سبقتهم شعوب كثيرة، في يدها عجلة القيادة في هذا المضمار! يقدمون لها فلسفة مذهبية اجتماعية، ومناهج اقتصادية وتنظيمية من صنع أيديهم، ومن وحي أفكارهم البشرية؟ إن الأرض تعج بالفلسفات والمذاهب والمناهج الأرضية. وتشقى بها جميعا غاية الشقاء! ماذا إذن يقدمون للبشرية لتعرفهم به، وتعترف لهم بالسبق والتفوق والامتياز؟

لا شيء إلا هذه الرسالة الكبيرة. لا شيء إلا هذا المنهج الفريد. لا شيء إلا هذه المنة التي اختارهم اللّه لها، وأكرمهم بها، وأنقذ بها البشرية كلها على أيديهم ذات يوم. والبشرية اليوم أحوج ما تكون إليها، وهي تتردى في هاوية الشقاء والحيرة والقلق والإفلاس! إنها - وحدها - بطاقة الشخصية التي تقدموا بها قديما للبشرية، فأحنت لها هامتها. والتي يمكن أن يقدموها لها اليوم، فيكون فيها الخلاص والإنقاذ.

إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة. وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة. وهي التي تقدم أكبر منهج. وهي التي تتفرد في الأرض بأرفع مذهب للحياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015