النبز، لا يقومان على الأصول الواضحة البسيطة لهذا الدين إنما يقومان على الغرض والهوى ومكايدة المنافسين والمخالفين! عندئذ وجد من ينبز مخالفيه بالكفر لأمور فرعية ووجد من يدفع هذا الاتهام بالتشدد في التحرج والتغليظ على من ينبز غيره بهذه التهمة .. وهذا وذلك غلو سببه تلك الملابسات التاريخية .. أما دين اللّه فواضح جازم لا تميع فيه ولا تفصيص ولا غلو .. «إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلا بِالتَّمَنِّي، إنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ.» (?) .. ولا بد لقيامه من قبول ما شرع اللّه وتحقيقه في واقع الحياة .. والكفر: رفض ما شرع اللّه، والحكم بغير ما أنزل اللّه، والتحاكم إلى غير شرع اللّه .. في الصغير وفي الكبير سواء .. أحكام صريحة جازمة بسيطة واضحة .. وكل ما وراءها فهو من صنع تلك الخلافات والتأويلات ..
وهذا نموذج من التقريرات الصريحة الواضحة الجازمة من قول اللّه سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ .. إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» ..
ومثله سائر التقريرات الواضحة الجازمة الصريحة التي ترسم حقيقة الإيمان وحدوده في كتاب اللّه.
لقد نزع اللّه ملكية الغنيمة ممن يجمعونها في المعركة وردها إلى اللّه والرسول - في أول السورة - ليخلص الأمر كله للّه والرسول وليتجرد المجاهدون من كل ملابسة من ملابسات الأرض وليسلموا أمرهم كله - أوله وآخره - للّه ربهم وللرسول قائدهم وليخوضوا المعركة للّه وفي سبيل اللّه، وتحت راية اللّه، طاعة للّه يحكمونه في أرواحهم، ويحكمونه في أموالهم ويحكمونه في أمرهم كله بلا تعقيب ولا اعتراض ..
فهذا هو الإيمان .. كما قال لهم في مطلع السورة وهو ينتزع منهم ملكية الغنيمة ويردها إلى اللّه ورسوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ. قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ .. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .. ».