الطريق فسدت الدنيا وخسرت الآخرة .. هذا الطريق الواحد هو الإيمان والتقوى وتحقيق المنهج الإلهي في الحياة الدنيا ..
وهذا المنهج ليس منهج اعتقاد وإيمان وشعور قلبي وتقوى فحسب، ولكنه كذلك - وتبعا لذلك - منهج حياة إنسانية واقعية، يقام، وتقام عليه الحياة .. وإقامته - مع الإيمان والتقوى - هي التي تكفل صلاح الحياة الأرضية، وفيض الرزق، ووفرة النتاج، وحسن التوزيع، حتى يأكل الناس جميعا - في ظل هذا المنهج - من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
إن المنهج الإيماني للحياة لا يجعل الدين بديلا من الدنيا ولا يجعل سعادة الآخرة بديلا من سعادة الدنيا، ولا يجعل طريق الآخرة غير طريق الدنيا .. وهذه هي الحقيقة الغائمة اليوم في أفكار الناس وعقولهم وضمائرهم وأوضاعهم الواقعية.
لقد افترق طريق الدنيا وطريق الآخرة في تفكير الناس وضميرهم وواقعهم. بحيث أصبح الفرد العادي - وكذلك الفكر العام للبشرية الضالة - لا يرى أن هنالك سبيلا للالتقاء بين الطريقين. ويرى على العكس أنه إما أن يختار طريق الدنيا فيهمل الآخرة من حسابه وإما أن يختار طريق الآخرة فيهمل الدنيا من حسابه ولا سبيل إلى الجمع بينهما في تصور ولا واقع .. لأن واقع الأرض والناس وأوضاعهم في هذه الفترة من الزمان توحي بهذا ..
حقيقة: إن أوضاع الحياة الجاهلية الضالة البعيدة عن اللّه، وعن منهجه للحياة، اليوم تباعد بين طريق الدنيا وطريق الآخرة، وتحتم على الذين يريدون البروز في المجتمع، والكسب في مضمار المنافع الدنيوية، أن يتخلوا عن طريق الآخرة وأن يضحوا بالتوجيهات الدينية والمثل الخلقية والتصورات الرفيعة والسلوك النظيف، الذي يحض عليه الدين. كما تحتم على الذين يريدون النجاة في الآخرة أن يتجنبوا تيار هذه الحياة وأوضاعها القذرة، والوسائل التي يصل بها الناس في مثل هذه الأوضاع إلى البروز في المجتمع، والكسب في مضمار المنافع، لأنها وسائل لا يمكن أن تكون نظيفة ولا مطابقة للدين والخلق، ولا مرضية للّه سبحانه .. ولكن .. تراها ضربة لازب! ترى أنه لا مفر من هذا الحال التعيس؟ ولا سبيل إلى اللقاء بين طريق الدنيا وطريق الآخرة؟