كلا .. إنها ليست ضربة لازب! فالعداء بين الدنيا والآخرة والافتراق بين طريق الدنيا وطريق الآخرة، ليس هو الحقيقة النهائية التي لا تقبل التبديل .. بل إنها ليست من طبيعة هذه الحياة أصلا. إنما هي عارض ناشئ من انحراف طارئ!
إن الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق الآخرة وأن يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا. وأن يكون الإنتاج والنماء والوفرة في عمل الأرض هو ذاته المؤهل لنيل ثواب الآخرة كما أنه هو المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا وأن يكون الإيمان والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الأرض كما أنها هي وسائل الحصول على رضوان اللّه وثوابه الأخروي .. هذا هو الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية .. ولكن هذا الأصل لا يتحقق إلا حين تقوم الحياة على منهج اللّه الذي رضيه للناس .. فهذا المنهج هو الذي يجعل العمل عبادة، وهو الذي يجعل الخلافة في الأرض وفق شريعة اللّه فريضة. والخلافة عمل وإنتاج، ووفرة ونماء، وعدل في التوزيع يفيض به الرزق على الجميع من فوقهم ومن تحت أرجلهم، كما يقول اللّه في كتابه الكريم.
إن التصور الإسلامي يجعل وظيفة الإنسان في الأرض هي الخلافة عن اللّه، بإذن اللّه، وفق شرط اللّه ..
ومن ثم يجعل العمل المنتج المثمر، وتوفير الرخاء باستخدام كل مقدرات الأرض وخاماتها ومواردها - بل الخامات والموارد الكونية كذلك - هو الوفاء بوظيفة الخلافة. ويعتبر قيام الإنسان بهذه الوظيفة - وفق منهج اللّه وشريعته حسب شرط الاستخلاف - طاعة للّه ينال عليها العبد ثواب الآخرة بينما هو بقيامه بهذه الوظيفة على هذا النحو يظفر بخيرات الأرض التي سخرها اللّه له ويفيض عليه الرزق من فوقه ومن تحت رجليه، كما يصور التعبير القرآني الجميل!
ووفق التصور الإسلامي يعتبر الإنسان الذي لا يفجر ينابيع الأرض، ولا يستغل طاقات الكون المسخرة له، عاصيا للّه، ناكلا عن القيام بالوظيفة التي خلقه اللّه لها، وهو يقول للملائكة: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً».وهو يقول كذلك للناس: «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ»،ومعطلا لرزق اللّه الموهوب للعباد .. وهكذا يخسر