إنه لا يغني في إصلاح حال المجتمع أن يأخذ المجتمع المال ضريبة (مدنية!) أو أن يأخذ المال من الأغنياء للفقراء باسم الدولة، أو باسم الشعب، أو باسم جهة أرضية ما .. فهي في صورتها هذه قد تحقق هدفا واحدا وهو إيصال المال للمحتاجين ..
فأما الزكاة .. فتعني اسمها ومدلولها .. إنها قبل كل شيء طهارة ونماء .. إنها زكاة للضمير بكونها عبادة للّه. وبالشعور الطيب المصاحب لها تجاه الإخوان الفقراء، بما أنها عبادة للّه يرجو عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة، كما يرجو منها نماء المال في الحياة الدنيا بالبركة وبالنظام الاقتصادي المبارك. ثم بالشعور الطيب في نفوس الفقراء الآخذين أنفسهم إذ يشعرون أنها فضل اللّه عليهم إذ قررها لهم في أموال الأغنياء ولا يشعرون معها بالحقد والتشفي من إخوانهم الأغنياء (مع تذكر أن الأغنياء في النظام الإسلامي لا يكسبون إلا من حلال ولا يجورون على حق أحد وهم يجمعون نصيبهم من المال) .. وفي النهاية تحقق هدف الضريبة المالية في هذا الجو الراضي الخير الطيب .. جو الزكاة والطهارة والنماء ..
وأداء الزكاة سمة من سمات الذين آمنوا تقرر أنهم يتبعون شريعة اللّه في شئون الحياة فهي إقرار منهم بسلطان اللّه في أمرهم كله .. وهذا هو الإسلام ..
«وَهُمْ راكِعُونَ» .. ذلك شأنهم، كأنه الحالة الأصلية لهم .. ومن ثم لم يقف عند قوله: «يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» .. فهذه السمة الجديدة أعم وأشمل. إذ أنها ترسمهم للخاطر كأن هذا هو شأنهم الدائم. فأبرز سمة لهم هي هذه السمة، وبها يعرفون .. وما أعمق إيحاءات التعبيرات القرآنية في مثل هذه المناسبات! واللّه يعد الذين آمنوا - في مقابل الثقة به، والالتجاء إليه، والولاء له وحده - ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية ..
ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض للّه.يعدهم النصر والغلبة: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ» .. وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها .. وأنها هي الولاء للّه ورسوله وللمؤمنين وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتبار ه خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى، وارتدادا عن الدين ..