وهنا لفتة قرآنية مطردة .. فاللّه - سبحانه - يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير! لا لأنه سيغلب، أو سيمكن له في الأرض فهذه ثمرات تأتي في حينها وتأتي لتحقيق قدر اللّه في التمكين لهذا الدين لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين .. والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم. لا شيء لذواتهم وأشخاصهم. وإنما هو قدر اللّه يجريه على أيديهم، ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم! فيكون لهم ثواب الجهد فيه وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين اللّه في الأرض، وصلاح الأرض بهذا التمكين ..
كذلك قد يعد اللّه المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم - وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة - فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة وتخطي العقبة، والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد اللّه للأمة المسلمة، فيكون لهم ثواب الجهاد، وثواب التمكين لدين اللّه، وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين.
كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال، بحالة الجماعة المسلمة يومذاك، وحاجتها إلى هذه البشريات. بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب اللّه .. مما يرجح ما ذهبنا إليه عن تاريخ نزول هذا القطاع من السورة.
ثم تخلص لنا هذه القاعدة التي لا تتعلق بزمان ولا مكان .. فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن اللّه التي لا تتخلف. وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف. فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب اللّه هم الغالبون .. ووعد اللّه القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق! وأن الولاء للّه ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد اللّه في نهاية الطريق!
وبعد فلقد سلك المنهج القرآني في هذا السياق طرقا منوعة، لنهي الذين آمنوا عن تولي المخالفين لهم في عقيدتهم من أهل الكتاب والمشركين، ولتقرير هذه القاعدة الإيمانية في ضمائرهم وإحساسهم وعقولهم. مما يدل على أهمية هذه القاعدة في التصور الإسلامي وفي الحركة الإسلامية على السواء ..