إنَّ الإسلام - وهو يبني الأمة المسلمة على هذه القاعدة وفق هذا المنهج ويقيم وجودها على أساس التجمع العضوي الحركي ويجعل آصرة هذا التجمع هي العقيدة - إنما كان يستهدف إبراز «إنسانية الإنسان» وتقويتها وتمكينها، وإعلاءها على جميع الجوانب الأخرى في الكائن الإنساني. وكان يمضي في هذا على منهجه المطرد في كل قواعده وتعليماته وشرائعه وأحكامه ..
إن الكائن الإنساني يشترك مع الكائنات الحيوانية - بل الكائنات المادية - في صفات توهم أصحاب «الجهالة العلمية!» مرة بأنه حيوان كسائر الحيوان ومرة بأنه مادة كسائر المواد! ولكن الإنسان مع اشتراكه في هذه «الصفات» مع الحيوان ومع المادة له «خصائص» تميزه وتفرده وتجعل منه كائنا فريدا - كما اضطر أصحاب «الجهالة العلمية!»
أخيرا أن يعترفوا والحقائق الواقعة تلوي أعناقهم ليا، فيضطرون لهذا الاعتراف في غير إخلاص ولا صراحة! (?)
والإسلام - بمنهجه الرباني - يعمد إلى هذه الخصائص التي تميز «الإنسان» وتفرده بين الخلائق فيبرزها وينميها ويعليها .. وهو حين يجعل آصرة العقيدة هي قاعدة التجمع العضوي الحركي، التي يقيم على أساسها وجود الأمة المسلمة، إنما يمضي على خطته تلك. فالعقيدة تتعلق بأعلى ما في «الإنسان» من «خصائص» ..
إنه لا يجعل هذه الآصرة هي النسب، ولا اللغة، ولا الأرض، ولا الجنس، ولا اللون، ولا المصالح، ولا المصير الأرضي المشترك .. فهذه كلها أواصر يشترك فيها الحيوان مع الإنسان. وهي أشبه شيء وأقرب شيء إلى أواصر القطيع، وإلى اهتمامات القطيع، وإلى الحظيرة والمرعى والثغاء الذي يتفاهم به القطيع! أما العقيدة التي تفسر للإنسان وجوده، ووجود هذا الكون من حوله تفسيرا كليا كما تفسر له منشأ وجوده ووجود الكون من