. سواء كانت هذه الجاهلية ممثلة في وثنية الشرك، أو في انحراف أهل الكتاب، أو في الإلحاد السافر .. بل ما العناء في إقامة المنهج الإسلامي، إذا كانت الفوارق بينه وبين مناهج أهل الكتاب أو غيرهم قليلة يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة والمهادنة؟
إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة، باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية، يخطئون فهم معنى الأديان كما يخطئون فهم معنى التسامح. فالدين هو الدين الأخير وحده عند اللّه. والتسامح يكون في المعاملات الشخصية، لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي .. إنهم يحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم بأن اللّه لا يقبل دينا إلا الإسلام، وبأن عليه أن يحقق منهج اللّه الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلا ولا يقبل فيه تعديلا - ولو طفيفا - هذا اليقين الذي ينشئه القرآن الكريم وهو يقرر: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» .. «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» .. «وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ» .. «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ .. بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» .. وفي القرآن كلمة الفصل .. ولا على المسلم من تميع المتميعين وتمييعهم لهذا اليقين! ويصور السياق القرآني تلك الحالة التي كانت واقعة والتي ينزل القرآن من أجلها بهذا التحذير: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ، يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ» .. روى ابن جرير عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ بَنِي الْحَرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ لِي مَوَالِيَ مِنْ يَهُودَ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ , وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ وِلَايَةِ يَهُودَ وَأَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ.فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ , لَا أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ مَوَالِيَ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ:" يَا أَبَاالْحُبَابِ مَا بَخِلْتَ بِهِ مِنْ وِلَايَةِ يَهُودَ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَهُوَ إِلَيْكَ دُونَهُ " قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ.فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَى قَوْلِهِ: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ " (?) ...