اللّه وللجماعة المسلمة .. وبسبب من ظلمه هذا يدخله اللّه في زمرة اليهود والنصارى الذين أعطاهم ولاءه. ولا يهديه إلى الحق ولا يرده إلى الصف المسلم: «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» .. لقد كان هذا تحذيرا عنيفا للجماعة المسلمة في المدينة. ولكنه تحذير ليس مبالغا فيه. فهو عنيف. نعم ولكنه يمثل الحقيقة الواقعة. فما يمكن أن يمنح المسلم ولاءه لليهود والنصارى - وبعضهم أولياء بعض - ثم يبقى له إسلامه وإيمانه، وتبقى له عضويته في الصف المسلم، الذي يتولى اللّه ورسوله والذين آمنوا .. فهذا مفرق الطريق ..
وما يمكن أن يتميع حسم المسلم في المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام وبينه وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملا ذا قيمة في الحركة الإسلامية الضخمة التي تستهدف - أول ما تستهدف - إقامة نظام واقعي في الأرض فريد يختلف عن كل الأنظمة الأخرى ويعتمد على تصور متفرد كذلك من كل التصورات الأخرى ..
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم، الذي لا أرجحة فيه ولا تردد، بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يقبله اللّه من الناس - بعد رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وبأن منهجه الذي كلفه اللّه أن يقيم الحياة عليه، منهج متفرد لا نظير له بين سائر المناهج ولا يمكن الاستغناء عنه بمنهج آخر ولا يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر ولا تصلح الحياة البشرية ولا تستقيم إلا أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه ولا يعفيه اللّه ولا يغفر له ولا يقبله إلا إذا هو بذل جهد طاقته في إقامة هذا المنهج بكل جوانبه: الاعتقادية والاجتماعية لم يأل في ذلك جهدا، ولم يقبل من منهجه بديلا - ولا في جزء منه صغير - ولم يخلط بينه وبين أي منهج آخر في تصور اعتقادي، ولا في نظام اجتماعي، ولا في أحكام تشريعية، إلا ما استبقاه اللّه في هذا المنهج من شرائع من قبلنا من أهل الكتاب ...
إن اقتناع المسلم إلى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو - وحده - الذي يدفعه للاضطلاع بعبء النهوض بتحقيق منهج اللّه الذي رضيه للناس في وجه العقبات الشاقة، والتكاليف المضنية، والمقاومة العنيدة، والكيد الناصب، والألم الذي يكاد يجاوز الطاقة في كثير من الأحيان .. وإلا فما العناء في أمر يغني عنه غيره - مما هو قائم في الأرض من جاهلية