والاجتماعي في المدينة قبل الإسلام، بين أهل المدينة من العرب وبين اليهود بصفة خاصة .. وكان هذا الوضع يتيح لليهود أن يقوموا بدورهم في الكيد لهذا الدين وأهله بكل صنوف الكيد التي عددتها وكشفتها النصوص القرآنية الكثيرة والتي سبق استعراض بعضها في الأجزاء الخمسة الماضية من هذه الظلال والتي يتولى هذا الدرس وصف بعضها كذلك في هذه النصوص.
ونزل القرآن ليبث الوعي اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته، لتحقيق منهجه الجديد في واقع الحياة. ولينشئ في ضمير المسلم تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها الخاصة. المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية. فهذه صفة المسلم دائما. ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا للّه ورسوله والذين آمنوا .. الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل.
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ .. بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».بعضهم أولياء بعض .. إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن .. لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء .. إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض ولا في أي تاريخ .. وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه القولة الصادقة .. لقد ولي بعضهم بعضا في حرب محمد - صلى الله عليه وسلم - والجماعة المسلمة في المدينة. وولي بعضهم بعضا في كل فجاج الأرض، على مدار التاريخ .. ولم تختل هذه القاعدة مرة واحدة ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرره القرآن الكريم، في صيغة الوصف الدائم، لا الحادث المفرد .. واختيار الجملة الاسمية على هذا النحو .. بعضهم أولياء بعض .. ليست مجرد تعبير! إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل! ثم رتب على هذه الحقيقة الأساسية نتائجها .. فإنه إذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فإنه لا يتولاهم إلا من هو منهم. والفرد الذي يتولاهم من الصف المسلم، يخلع نفسه من الصف ويخلع عن نفسه صفة هذا الصف «الإسلام» وينضم إلى الصف الآخر. لأن هذه هي النتيجة الطبيعية الواقعية: «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» .. وكان ظالما لنفسه ولدين