وذلك لقاء السكوت، أو لقاء التحريف، أو لقاء الفتاوى المدخولة! وكل ثمن هو في حقيقته قليل. ولو كان ملك الحياة الدنيا .. فكيف وهو لا يزيد على أن يكون رواتب ووظائف وألقابا ومصالح صغيرة يباع بها الدين، وتشترى بها جهنم عن يقين؟! إنه ليس أشنع من خيانة المستأمن وليس أبشع من تفريط المستحفظ وليس أخس من تدليس المستشهد.
والذين يحملون عنوان: «رجال الدين» يخونون ويفرطون ويدلسون، فيسكتون عن العمل لتحكيم ما أنزل اللّه، ويحرفون الكلم عن مواضعه، لموافاة أهواء ذوي السلطان على حساب كتاب اللّه ..
«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ» .. بهذا الحسم الصارم الجازم. وبهذا التعميم الذي تحمله «من» الشرطية وجملة الجواب. بحيث يخرج من حدود الملابسة والزمان والمكان، وينطلق حكما عاما، على كل من لم يحكم بما أنزل اللّه، في أي جيل، ومن أي قبيل ..
والعلة هي التي أسلفنا .. هي أن الذي لا يحكم بما أنزل اللّه، إنما يرفض ألوهية اللّه. فالألوهية من خصائصها ومن مقتضاها الحاكمية التشريعية. ومن يحكم بغير ما أنزل اللّه، يرفض ألوهية اللّه وخصائصها في جانب، ويدعي لنفسه هو حق الألوهية وخصائصها في جانب آخر .. وماذا يكون الكفر إن لم يكن هو هذا وذاك؟
وما قيمة دعوى الإيمان أو الإسلام باللسان، والعمل - وهو أقوى تعبيرا من الكلام - ينطق بالكفر أفصح من اللسان؟! إن المماحكة في هذا الحكم الصارم الجازم العام الشامل، لا تعني إلا محاولة التهرب من مواجهة الحقيقة.
والتأويل والتأول في مثل هذا الحكم لا يعني إلا محاولة تحريف الكلم عن مواضعه .. وليس لهذه المماحكة من قيمة ولا أثر في صرف حكم اللّه عمن ينطبق عليهم بالنص الصريح الواضح الأكيد.
وبعد بيان هذا الأصل القاعدي في دين اللّه كله، يعود السياق، لعرض نماذج من شريعة التوراة التي أنزلها اللّه ليحكم بها النبيون والربانيون والأحبار للذين هادوا - بما استحفظوا