من كتاب اللّه وكانوا عليه شهداء: «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» ..
وقد استبقيت هذه الأحكام التي نزلت بها التوراة في شريعة الإسلام، وأصبحت جزءا من شريعة المسلمين، التي جاءت لتكون شريعة البشرية كلها إلى آخر الزمان. وإن كانت لا تطبق إلا في دار الإسلام، لاعتبارات عملية بحتة حيث لا تملك السلطة المسلمة أن تطبقها فيما وراء حدود دار الإسلام. وحيثما كان ذلك في استطاعتها فهي مكلفة تنفيذها وتطبيقها، بحكم أن هذه الشريعة عامة للناس كافة، للأزمان كافة، كما أرادها اللّه.
وقد أضيف إليها في الإسلام حكم آخر في قوله تعالى: «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» ..
ولم يكن ذلك في شريعة التوراة. إذ كان القصاص حتما لا تنازل فيه، ولا تصدق به، ومن ثم فلا كفارة ..
وبعد عرض هذا الطرف من شريعة التوراة، التي صارت طرفا من شريعة القرآن، يعقب بالحكم العام:
«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» .. والتعبير عام، ليس هناك ما يخصصه ولكن الوصف الجديد هنا هو «الظالمون».
وهذا الوصف الجديد لا يعني أنها حالة أخرى غير التي سبق الوصف فيها بالكفر. وإنما يعني إضافة صفة أخرى لمن لم يحكم بما أنزل اللّه. فهو كافر باعتبار ه رافضا لألوهية اللّه - سبحانه - واختصاصه بالتشريع لعباده، وبادعائه هو حق الألوهية بادعائه حق التشريع للناس. وهو ظالم بحمل الناس على شريعة غير شريعة ربهم، الصالحة المصلحة لأحوالهم. فوق ظلمه لنفسه بإيرادها موارد التهلكة، وتعريضها لعقاب الكفر. وبتعريض حياة الناس - وهو معهم - للفساد.
وهذا ما يقتضيه اتحاد المسند إليه وفعل الشرط: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ» .. فجواب الشرط الثاني يضاف إلى جواب الشرط الأول ويعود كلاهما على المسند إليه في فعل الشرط وهو «من» المطلق العام.