«وعند مالك أن المحارب إذا قتل فلا بد من قتله وليس للإمام تخيير في قطعه ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه، وأما إن أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف. وأما إذا أخاف السبيل فقط، فالإمام مخير في قتله أو صلبه أو قطعه أو نفيه .. ومعنى التخيير عند مالك أن الأمر راجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام. فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير فوجه الاجتهاد قتله أو صلبه، لأن القطع لا يدفع ضرره. وإن كان لا رأي له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلاف. وإن كان ليس له شيء من هاتين الصفتين أخذ بأيسر ذلك وهو النفي والتعزير» (?).
ونحن نختار رأي الإمام مالك في الفقرة الأخيرة منه، وهي أن العقوبة قد توقع على مجرد الخروج وإخافة السبيل. لأن هذا إجراء وقائي المقصود منه أولا منع وقوع الجريمة، والتغليظ على المفسدين في الأرض الذين يروعون دار الإسلام ويفزعون الجماعة المسلمة القائمة على شريعة اللّه في هذه الدار. وهي أجدر جماعة وأجدر دار بالأمن والطمأنينة والسلام.
كذلك يختلفون في معنى النفي من الأرض .. هل هو النفي من الأرض التي ارتكب فيها جريمته؟ أم هو النفي من الأرض التي يملك فيها حريته وذلك بحبسه. أم هو النفي من الأرض كلها ولا يكون ذلك إلا بالموت؟
ونحن نختار النفي من أرض الجريمة، إلى مكان ناء يحس فيه بالغربة والتشريد والضعف جزاء ما شرد الناس وخوّفهم وطغى بقوته فيهم. حيث يصبح في منفاه عاجزا عن مزاولة جريمته بضعف عصبيته، أو بعزله عن عصابته!
«ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا .. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ» .. فالجزاء الذي يلقونه إذن في الدنيا لا يسقط عنهم العذاب في الآخرة، ولا يطهرهم من دنس الجريمة كبعض الحدود الأخرى. وهذا كذلك تغليظ للعقوبة، وتبشيع للجريمة .. ذلك أن الجماعة المسلمة في دار الإسلام يجب أن تعيش آمنة. وذلك أن السلطة المسلمة القائمة على شريعة اللّه يجب أن تكون مطاعة. فهذا هو الوسط الخير الرفيع الذي يجب توفير الضمانات كلها لازدهاره .. وهذا هو النظام العادل الكامل الذي يجب أن يصان من المساس به ..