فإذا ارتدع هؤلاء الخارجون المفسدون عن غيهم وفسادهم، نتيجة استشعارهم نكارة الجريمة، وتوبة منهم إلى اللّه ورجوعا إلى طريقة المستقيم - وهم ما يزالون في قوتهم، لم تنلهم يد السلطان - سقطت جريمتهم وعقوبتها معا، ولم يعد للسلطان عليهم من سبيل، وكان اللّه غفورا لهم رحيما بهم في الحساب الأخير: «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا - مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ - فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
والحكمة واضحة في إسقاط الجريمة والعقوبة في هذه الحالة عنهم من ناحيتين:
الأولى: تقدير توبتهم - وهم يملكون العدوان - واعتبار ها دليل صلاح واهتداء ..
والثانية: تشجيعهم على التوبة، وتوفير مؤنة الجهد في قتالهم من أيسر سبيل.
والمنهج الإسلامي يتعامل مع الطبيعة البشرية بكل مشاعرها ومساربها واحتمالاتها واللّه الذي رضي للمسلمين هذا المنهج هو بارئ هذه الطبيعة، الخبير بمسالكها ودروبها، العليم بما يصلحها وما يصلح لها .. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ ..
والمنهج الرباني لا يأخذ الناس بالقانون وحده. إنما يرفع سيف القانون ويصلته ليرتدع من لا يردعه إلّا السيف. فأما اعتماده الأول فعلى تربية القلب، وتقويم الطبع. وهداية الروح - ذلك إلى جانب إقامة المجتمع الذي تنمو فيه بذرة الخير وتزكو، وتذبل فيه نبتة الشر وتذوي - لذلك ما يكاد ينتهي السياق القرآني من الترويع بالعقوبة حتى يأخذ طريقة إلى القلوب والضمائر والأرواح يستجيش فيها مشاعر التقوى ويحثها على ابتغاء الوسيلة إلى اللّه والجهاد في سبيله رجاء الفلاح ويحذرها عاقبة الكفر به ويصور لها مصائر الكفار في الآخرة تصويرا موحيا بالخشية والاعتبار (?)