وقد عبر عن الحدث الأصغر بقوله: «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» .. والغائط مكان منخفض كانوا يقضون حاجتهم فيه .. والمجيء من الغائط كناية عن قضاء الحاجة تبولا أو تبرزا.
وعبر عن الحدث الأكبر بقوله: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» .. لأن هذا التعبير الرقيق يكفي في الكناية عن المباشرة .. ففي هذه الحالات لا يقرب المحدث - حدثا أصغر أو أكبر - الصلاة، حتى يتيمم .. فيقصد صعيدا طيبا .. أي شيئا من جنس الأرض طاهرا - يعبر عن الطهارة بالطيبة - ولو كان ترابا على ظهر الدابة، أو الحائط. فيضرب بكفيه، ثم ينفضهما، ثم يمسح بهما وجهه، ثم يمسح بهما يديه إلى المرفقين .. ضربة للوجه واليدين. أو ضربتين .. قولان .. وهناك خلافات فقهية حول المقصود بقوله تعالى: «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» .. أهو مجرد الملامسة؟ أم هي المباشرة؟
وهل كل ملامسة بشهوة ولذة أم بغير شهوة ولذة؟ خلاف .. كذلك هل المرض بإطلاقه يجيز التيمم؟ أم المرض الذي يؤذيه الماء؟ خلاف .. ثم .. هل برودة الماء من غير مرض وخوف المرض والأذى يجيز التيمم .. الأرجح نعم .. وفي ختام الآية يجيء هذا التعقيب: «ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ. وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ، وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» .. والتطهر حالة واجبة للقاء اللّه - كما أسلفنا - وهو يتم في الوضوء والغسل جسما وروحا. فأما في التيمم فيتم الشطر الأخير منه ويجزئ في التطهر عند عدم وجود الماء، أو عند ما يكون هناك ضرر في استعمال الماء. ذلك أن اللّه - سبحانه - لا يريد أن يعنت الناس، ويحملهم على الحرج والمشقة بالتكاليف. إنما يريد أن يطهرهم، وأن ينعم عليهم بهذه الطهارة وأن يقودهم إلى الشكر على النعمة، ليضاعفها لهم ويزيدهم منها .. فهو الرفق والفضل والواقعية في هذا المنهج اليسير القويم. وتقودنا حكمة الوضوء والغسل والتيمم التي كشف النص عنها هنا: «وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ..
تقودنا إلى تلك الوحدة التي يحققها الإسلام في الشعائر والشرائع على السواء. فليس الوضوء والغسل مجرد تنظيف للجسد، ليقول متفلسفة هذه الأيام: إننا لسنا في حاجة إلى