الناس نقيرا .. والنقير النقرة تكون في ظهر النواة - وهذه لا تسمح كزازة يهود وأثرتها البغيضة أن تعطيها للناس، لو كان لها في الملك نصيب! والحمد للّه أن ليس لها في الملك نصيب .. وإلا لهلك الناس جميعا وهم لا يعطون حتى النقير!!!
أم لعله الحسد .. حسد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، على ما آتاهم اللّه من فضله .. من هذا الدين الذي أنشأهم نشأة أخرى ووهب لهم ميلادا جديدا، وجعل لهم وجودا إنسانيا متميزا ووهبهم النور والثقة والطمأنينة واليقين كما وهبهم النظافة والطهر، مع العز والتمكين؟
وإنه فعلا للحسد من يهود. مع تفويت أطماعها في السيادة الأدبية والاقتصادية على العرب الجاهلين المتفرقين المتخاصمين .. يوم أن لم يكن لهم دين .. ولكن لماذا يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله من النبوة والتمكين في الأرض؟ وهم غارقون في فضل اللّه من عهد إبراهيم .. الذي آتاه اللّه وآله الكتاب والحكمة - وهي النبوة - وآتاهم الملك كذلك والسيادة. وهم لم يرعوا الفضل ولم يحتفظوا بالنعمة، ولم يصونوا العهد القديم، بل كان منهم فريق من غير المؤمنين. ومن يؤت هذا الفضل كله لا يليق أن يكون منهم جاحدون كافرون! «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ». إنه لمن ألأم الحسد: أن يحسد ذو النعمة الموهوب! لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة! أما أن يحسد الواجد المغمور بالنعمة، فهذا هو الشر الأصيل العميق! شر يهود! المتميز الفريد! ومن ثم يكون التهديد بالسعير، هو الجزاء المقابل لهذا الشر النكير: «وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» ..
وعند ما يبلغ السياق هذا المقطع من ذكر الإيمان والصدود عن الإيمان في آل إبراهيم، يعقب بالقاعدة الشاملة للجزاء. جزاء المكذبين، وجزاء المؤمنين .. هؤلاء وهؤلاء أجمعين .. في كل دين وفي كل حين ويعرض هذا الجزاء في صورة مشهد من مشاهد القيامة العنيفة الرعيبة: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً، كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً، لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ