. وعل الرغم من ذلك كله - وغيره كثير - فقد ظلوا يزعمون أنهم أبناء اللّه وأحباؤه. وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة. وأنه لا يهتدي ولا يقبل عند اللّه إلا من كان هودا! كأن المسألة مسألة قرابة ونسب ومحاباة بينهم وبين اللّه - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - فاللّه لا تصل بينه وبين أحد من خلقه قرابة ولا نسب إنما تربط عباده به العقيدة المستقيمة والعمل الصالح، والاستقامة على منهج اللّه .. فمن أخل بهذا فقد غضب اللّه عليه. ويشتد غضبه إذا كان قد آتى الضالين الهدى فانحرفوا عنه!

وما شأن هؤلاء اليهود إلا شأن من يزعمون الإسلام اليوم، ويحسبون أنهم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن اللّه لا بد ناصرهم، ومخرج لهم اليهود من أرضهم .. بينما هم ينسلخون انسلاخا كاملا من دين اللّه الذي هو منهجه للحياة فينبذونه من حياتهم ولا يتحاكمون إلى كتاب اللّه لا في أقضيتهم ولا في اقتصادهم، ولا في اجتماعهم، ولا في آدابهم، ولا في تقاليدهم. وكل ما لهم من الإسلام أسماء المسلمين! وأنهم ولدوا في أرض كان المسلمون يسكنونها ذات يوم! ويقيمون فيها دين اللّه، ويحكمون منهجه في الحياة! واللّه يعجب رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أمر أولئك اليهود الذين يزكون أنفسهم. وأمر «المسلمين» المعاصرين أعجب، وأشد إثارة للتعجيب والتعجب!! إنه ليس الناس هم الذين يزكون أنفسهم ويشهدون لها بالصلاح والقرب من اللّه واختيار اللّه. إنما اللّه هو الذي يزكي من يشاء. فهو أعلم بالقلوب والأعمال. ولن يظلم الناس شيئا، إذا هم تركوا هذا التقدير اللّه - سبحانه - واتجهوا إلى العمل. لا إلى الادعاء. فلئن عملوا - وهم ساكتون متواضعون في حياء من اللّه، وبدون تزكية ولا ادعاء - فلن يغبنوا عند اللّه ولن ينسى لهم عمل ولن يبخس لهم حق.

واللّه - سبحانه - يشهد على اليهود أنهم - إذ يزكون أنفسهم ويدعون أن اللّه راض عنهم - يفترون عليه الكذب. ويشنع بفعلتهم هذه، ويوجه الأنظار إلى بشاعتها: «انْظُرْ. كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ. وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً!».

وما أرى أننا - الذين ندعي الإسلام لأننا نحمل أسماء المسلمين، ونعيش في أرض كان يسكنها المسلمون! بينما نحن لا نجعل الإسلام في شيء من منهجنا في الحياة .. ما أحسبنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015