يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " فَأَمْسَكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشَّهَادَةِ" (?).

وروى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ غَفَرْتُ لَهُ، وَلا أُبَالِي مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا. (?)

وفي هذا الحديث الأخير لمحة كاشفة .. فالمهم هو شعور القلب باللّه على حقيقته - سبحانه - ومن وراء هذا الشعور الخير. والرجاء. والخوف. والحياء .. فإذا وقع الذنب، فمن ورائه هذه السمات تؤهل للتقوى وتؤهل للمغفرة.

ثم يمضي القرآن - وهو يخوض المعركة بالجماعة المسلمة مع اليهود في المدينة - يعجب من أمر هؤلاء الخلق الذين يزعمون أنهم شعب اللّه المختار ويثنون على أنفسهم ويزكونها بينما هم يحرفون الكلم عن مواضعه، ويتطاولون على اللّه ورسوله - كما سبق - وبينما هم يؤمنون بالجبت والطاغوت - كما سيجيء - كاذبين على اللّه في تزكيتهم لأنفسهم، وفي زعمهم أنهم مقربون إليه مهما عملوا من السوء!: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ؟ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ! وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً» ..

ودعوى اليهود أنهم شعب اللّه المختار هي دعواهم من قديم. وقد اختارهم اللّه فعلا لحمل الأمانة وأداء الرسالة، وفضلهم على العالمين في ذلك الأوان وأهلك لهم فرعون وملأه، وأورثهم الأرض المقدسة .. ولكنهم هم انحرفوا بعد ذلك عن منهج اللّه وعتوا في الأرض عتوا كبيرا، واجترحوا السيئات التي تضج منها الأرض، وأحل لهم أحبارهم ما حرم اللّه وحرموا عليهم ما أحله لهم، واتبعوهم ولم ينكروا عليهم حق الألوهية هذا الذي ادعوه عمليا - بهذا التحريم والتحليل - وقد بدل هؤلاء الأحبار في شريعة اللّه، ليرضوا ذوي السلطان والشرفاء وليملقوا كذلك رغبات الجماهير وأهواءهم. وبذلك اتخذوا أحبارهم أربابا من دون اللّه. وأكلوا الربا .. ووهنت علاقتهم بدين اللّه وكتابه الذي أنزله عليهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015