أَي: أخذت البريء وَتركت المذنب فَكنت كمن كوى الْبَعِير الصَّحِيح وَترك السقيم لَو كَانَ هَذَا مِمَّا يكون. قَالَ: وَنَحْو من هَذَا قَوْلهم: يشرب عجلَان ويسكر ميسرَة. وَلم يَكُونَا شَخْصَيْنِ موجودين.
خَامِسهَا: قيل: أصل هَذَا: أَن الفصيل كَانَ إِذا أَصَابَهُ العر لفسادٍ فِي لبن أمه عَمدُوا إِلَى أمه فكووها فتبرأ: وَيبرأ فصيلها ببرئها لِأَن ذَلِك الدَّاء إِنَّمَا كَانَ سرى إِلَيْهِ فِي لَبنهَا. وَهَذَا أغرب الْأَقْوَال وأقربها إِلَى الْحَقِيقَة.
وَمن روى كذي العر بِفَتْح الْعين فقد غلط. لِأَن العر الجرب وَلم يَكُونُوا يكوون من الجرب وَإِنَّمَا كَانُوا يكوون من القروح الَّتِي تخرج فِي مشافر الْإِبِل وقوائمها خَاصَّة.
وَقَوله: كذي العر حَال من مفعول تركته أَو تَقْدِيره: تركا كَتَرْكِ ذِي العر وَجُمْلَة: يكوى غَيره تفسيرية وَجُمْلَة: هُوَ راتعٌ حَال من غير. وَهَذَا ضربه مثلا لنَفسِهِ. يَقُول: أَنا بَرِيء وغيري سقيم فحملتني ذَنْب السقيم وَتركته.
وَقد قَالَ الْكُمَيْت:
(وَلَا أكوي الصِّحَاح براتعاتٍ ... بِهن العر قبلي مَا كوينا)
قَالَ ابْن أبي الإصبع: فِي التحبير أنْشد ابْن شرف القيرواني ابْن رَشِيق:
(غَيْرِي جنى وَأَنا المعاقب فِيكُم ... فكأنني سبابة المتندم)
وَقَالَ لَهُ هَل سَمِعت هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ: سمعته وأخذته أَنْت وأفسدته فَقَالَ مِمَّن فَقَالَ: من النَّابِغَة الذبياني حَيْثُ يَقُول: