أَنه أَرَادَ عَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله فَقدم الْمَعْطُوف ضَرُورَة لِأَن السَّلَام عِنْده مَرْفُوع بالاستقرار الْمُقدر فِي الظّرْف. وَلَا يلْزم هَذَا على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَن السَّلَام عِنْده مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَعَلَيْك خبر مقدم وَرَحْمَة الله مَعْطُوف على الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي عَلَيْك. غير أَنه من عطف ظَاهر على مُضْمر من غير تَأْكِيد وَذَلِكَ جَائِز فِي الشّعْر وَقد أجَازه قوم فِي سَعَة الْكَلَام كَذَا فِي شرح أَبْيَات الْجمل لِابْنِ السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ.
وروى ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ المصراع الثَّانِي هَكَذَا: برود الظل شاعكم السَّلَام شاعكم: تبعكم. انْتهى. وذَات عرق: مَوضِع بالحجاز وَفِي المرصع لِابْنِ الْأَثِير: ذَات عرق: مِيقَات أهل الْعرَاق للاحرام بِالْحَجِّ.
وَهَذَا الْبَيْت أول أَبْيَات ثَلَاثَة نسبت للأحوص أوردهَا الدَّمِيرِيّ وَابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير. والبيتان الْآخرَانِ هما:
(سَأَلت النَّاس عَنْك فخبروني ... هُنَا من ذَاك تكرههُ الْكِرَام)
(وَلَيْسَ بِمَا أحل الله بأسٌ ... إِذا هُوَ لم يخالطه الْحَرَام)
قَالَ ابْن أبي الإصبع: وَمن مليح الْكِنَايَة: النَّخْلَة فَإِن هَذَا الشَّاعِر كنى عَن الْمَرْأَة بالنخلة وبالهناة عَن الرَّفَث فَأَما الهناة فَمن عَادَة الْعَرَب الْكِنَايَة بهَا عَن مثل ذَلِك وَأما الْكِنَايَة بالنخلة عَن الْمَرْأَة فَمن ظريف الْكِنَايَة وغريبها انْتهى.
وأصل ذَلِك: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ نهى الشُّعَرَاء عَن ذكر النِّسَاء فِي أشعارهم لما فِي ذَلِك من الفضيحة وَكَانَ الشُّعَرَاء يكنون عَن النِّسَاء بِالشَّجَرِ وَغَيره وَلذَلِك
قَالَ حميد بن ثَوْر الْهِلَالِي: ...