تَسَاوِي رِوَايَة الرّفْع فِي الْمَعْنى كُله غير مَصْنُوع وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النصب أَيْضا يُفِيد الْعُمُوم وَأَنه لم يصنع شَيْئا مِنْهُ لما تقرر من دلَالَة الْعُمُوم وَقد تَأَمَّلت ذَلِك فَوجدت قَول س أصح من قَول البيانيين وَأَن الْمَعْنى حَضَره وَغَابَ عَنْهُم لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي اللَّفْظ بِكُل وَمَعْنَاهَا كل فَرد فَكَانَ عاملها الْمُتَأَخر فِي معنى الْخَبَر لِأَن السَّامع إِذا سمع الْمَفْعُول تشوف إِلَى عَامله كَمَا يتشوف سامع الْمُبْتَدَأ إِلَى الْخَبَر وَبِه يتم الْكَلَام فَكَانَ كُله لم أصنع مَرْفُوعا ومنصوبا سَوَاء فِي الْمَعْنى وَإِن اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاب وَيبعد كل الْبعد أَن يحمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على أَن كُله لم أصنع بِالرَّفْع وَالنّصب مَعْنَاهُ عدم صنع الْمَجْمُوع فَيكون قد صنع بعضه لِأَن معنى الحَدِيث على خلَافَة فِي قَوْله كل ذَلِك لم يكن إِلَى آخر مَا ذكره وَنقل الدماميني بعض هَذَا الْكَلَام فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ وَكَأن ابْن هِشَام لم يقف على كَلَام س فَنقل تَسَاوِي الْمَعْنى فِي الرّفْع وَالنّصب عَن الشلوبين وَابْن مَالك وَلَو وقف على كَلَام سِيبَوَيْهٍ لم ينْقل عَنْهُمَا
(فَخَالِد يحمد سَادَاتنَا)
أَي: يحمده سَادَاتنَا. وَاعْلَم أَن الشَّارِح الْمُحَقق أورد هَذَا الشَّاهِد فِي بَاب الِاشْتِغَال أَيْضا وَقَالَ: " يرْوى بِرَفْع كل ونصبه ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُمَا سبيويه. وَقد أنكر عَلَيْهِ الْمبرد رِوَايَة الرّفْع وَقَالَ: الَّذِي رَوَاهُ الْجرْمِي وَغَيره من الروَاة النصب فَقَط، وَمنع هَذِه الْمَسْأَلَة نظماً ونثراً. قَالَ ابْن ولاد: س أَيْضا رَوَاهُ بِالنّصب، وَقَالَ: إِن النصب أَكثر وَأعرف، فأغنى هَذَا عَن الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ بقول الْجرْمِي، أَلا ترى قَوْله إِن الرّفْع ضَعِيف وَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي غير الشّعْر لِأَن النصب لَا يكسر، وَلَا يخل بِهِ ترك إِضْمَار الْهَاء، كَأَنَّهُ قَالَ كُله غير مَصْنُوع. وَقد روى أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة هَذِه الشواهد رفعا كَمَا رَوَاهَا س ا. هـ. وَظَاهر كَلَام س أَن الضَّرُورَة مَا لَيْسَ للشاعر فسحة. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي أول شَاهد من هَذِه الشواهد. وَزعم تَقِيّ الدَّين السُّبْكِيّ فِي رِسَالَة " كل " وَفِي تَفْسِيره: أَن رِوَايَة النصب تَسَاوِي رِوَايَة الرّفْع فِي الْمَعْنى؛ وَذَلِكَ أَنه قَالَ: " لَا فرق بَين الرّفْع وَالنّصب فِي قَول س: إِن الْمَعْنى: كُله غير مَصْنُوع. وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النصب أَيْضا يُفِيد الْعُمُوم، وَأَنه لم يصنع شَيْئا مِنْهُ، لما تقرر من دلَالَة الْعُمُوم. قد تَأَمَّلت ذَلِك فَوجدت قَول س أصح من قَول البيانيين، وَأَن الْمَعْنى حَضَره وَغَابَ عَنْهُم؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي اللَّفْظ بِكُل وَمَعْنَاهَا كل فَرد، فَكَانَ عاملها الْمُتَأَخر فِي معنى الْخَبَر، لِأَن السَّامع إِذا سمع الْمَفْعُول تشوف إِلَى عَامله كَمَا يتشوف سامع الْمُبْتَدَأ إِلَى الْخَبَر، وَبِه يتم الْكَلَام؛ فَكَانَ كُله لم أصنع مَرْفُوعا ومنصوباً سَوَاء فِي الْمَعْنى، وَإِن اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاب. وَيبعد كل الْبعد أَن يحمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على أَن كُله لم أصنع بِالرَّفْع وَالنّصب مَعْنَاهُ عدم صنع الْمَجْمُوع فَيكون قد صنع بعضه؛ لِأَن معنى الحَدِيث على خِلَافه فِي قَوْله: كل ذَلِك لم يكن ". إِلَى آخر مَا ذكره. وَنقل الدماميني بعض هَذَا الْكَلَام فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ: وَكَأن ابْن هِشَام لم يقف على كَلَام س فَنقل تَسَاوِي الْمَعْنى فِي الرّفْع وَالنّصب عَن الشلوبين وَابْن مَالك؛ وَلَو وقف على كَلَام سِيبَوَيْهٍ لم ينْقل عهما.
وَقد نقل الشَّيْخ بهاء الدَّين كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي عروس الأفراح وَبَينه تَابعا لوالده السُّبْكِيّ وَرِوَايَة الرّفْع عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان هِيَ الجيدة فَإِنَّهَا تفِيد عُمُوم السَّلب وَرِوَايَة النصب سَاقِطَة عَن الِاعْتِبَار بل لَا تصح فَإِنَّهَا تفِيد سلب الْعُمُوم وَهُوَ خلاف الْمَقْصُود وَمَا ذكره السُّبْكِيّ لم يعرجوا عَلَيْهِ وَهُوَ مفصل فِي التَّلْخِيص وشروحه وَرَأَيْت للفاضل اليمني على هَذَا الْبَيْت كلَاما أَحْبَبْت إِيرَاده وَهُوَ قَوْله