جمع عقيصة وهو ما جمع من الشعر، والمرسل الشعر المسرح، ومراده أن لحية هذا الأنف غزيرة الشعر مسرحة وقال مشيرًا إليها:
من البقّ فيها جملة قد تعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفصل1
فيا قبح شعر فوق أنف معرقص ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل2
الأثيث الكثير، والمتعثكل الذي دخل بعضه في بعض لكثرته وتدلى وهكذا قنو النخلة الذي شبه به الصاحب فخر الدين هذا الأنف، ولعمري إن هذا الإيداع من السحر في نقله إلى هذه الصفة الغريبة وقال بعده:
وقالوا اختبا في شعره فكأنه ... كبير أناس في بجاد مزمل
هذا التشبيه بالنسبة إلى كبر الأنف نوع من الغلوّ، وهو من المخترعات في بابه، فإن امرأ القيس شبه به جبل ثبير فقال:
كأن ثبيرًا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
والعرانين جمع عرنين وهو الأنف، والوبل ما عظم من المطر، والبجاد كساء مخطط من الشعر الأبيض والأسود، فنقله الصاحب فخر الدين في إيداعه إلى الأنف، لما فيه من الشعر الأبيض والأسود الذي انتسج في أنفه كالبجاد، ولما اختفى في ذلك الشعر، بكبير أناس في بجاد مزمل أي ملتف، وقد تقدم قولي إنه من المخترعات.
مقلص كلتا الجانبين كأنه ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل
وهذا التشبيه أيضًا من العجائب، فإن هذا الأنف لم يبرح سائلًا، فشبهه الصاحب برجل ناقف حنظل، فإن ناقف الحنظل كثير الدمع لشدة حرارته. وقال:
ترى القمل والصيبان في عرصاته ... وقيعانه كأنه حب فلفل3
وفي جوفه شعر طويل كأنه ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل
فيا لك شعرًا فوق أنف معظم ... يلوح كهداب الدمقس المفتل
وكم قلت إذ أرخى ذوائب أنفه ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ ... بصبح وما الإصباح منك بأمثلِ