الصاحب فخر الدين -رحمه الله- ضمن هنا عجزًا وبيتًا كاملًا بنصف بيت واحد، وفي هذا من الروية والقوة ما يزيد على الوصف، وأما قوله بعدما أرخى هذا الرجل ذوائب أنفه: ألا أيها الطويل ألا انجل، فإن هذا نوع من السحر بل السحر بعينه، ومن المبالغة المفرطة في هذا الباب قوله:
كأن الفسا إن قس مع ريح أنفه ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل1
ترى شعرات الأنف سدت خدوده ... لما نسجتها من جنوب وشمأل
وقد درست بالأنف آثار وجهه ... فهل عند رسم دارس من معوّل
كأني بمولانا على وصف أنفه ... تولى بأعجاز وناء بكلكل
وجرد شعر الأنف منه وجاءنا ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من علِ
هذا الذي وقع عليه الاختيار من اختراع الصاحب فخر الدين -تغمده الله برحمته ورضوانه- ولعمري إنه من الاختراع الذي لم يسبق إليه، ولا حام فكر من قبله عليه، انتهى.
وكان الأمير مجير الدين بن تميم يجنح إلى نوع الإيداع كثيرًا، وأتى فيه بالعجائب والغرائب، وقال من شغفه بالتضمين:
أطالع كل ديوان أراه ... ولم أزجر عن التضمين طيري
أضمن كل بيت فيه معنى ... فشعري نصفه من شعر غيري
ومن تضامينه:
أفدي الذي أهوى بفيه شاربًا ... من بركة راقت وطابت مشرعًا
أبدت لعيني وجهه وخياله ... فأرتني القمرين في وقت معًا
وله أيضًا:
وشبابة قد كنت أهوى سماعها ... وقد صرت منها بعدما تبت أنفر3
وها أنا قد فارقتها غير نادم ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر