أوجز وسل أوّل الأبيات عن مدح ... فيه وسل مكة يا قاصد الحرم
هذا النوع، أعني الإيجاز، اعتنت به فصحاء العرب وبلغاؤها كثيرًا، فإنهم كانوا إذا قصدوا الإيجاز أتوا بألفاظ استغنوا بواحدها عن ألفاظ كثيرة، كأدوات الاستفهام والشرط وغير ذلك. فقولك: أين زيد؟ مغن عن قولك: أزيد في الدار أم في المسجد، إلى أن تستقري جميع الأماكن. وقولك: من يقم أقم معه، مغن عن: إن يقم زيد أو عمرو أقم معه. وما بالدار من أحد، مغن عن قولك: ليس فيها زيد ولا عمرو. فغالب كلام العرب مبني على الإيجاز والاختصار، وأداء المقصود من الكلام بأقل عبارة.
وهذا النوع على ضربين: إيجاز قصر، وإيجاز حذف. فإيجاز القصر: اختصار الألفاظ، وهو كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 1 فهذا اللفظ الوجيز المعجز المختصر، غاية في الإيجاز والإيضاح والإشارة والكناية والطباق وحسن البيان والإبداع ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 2 وعظ في ذلك بألطف موعظة، وذكر بألطف تذكرة، واستوعب جميع أقسام المعروف والمنكر، وأتى بالطباق اللفظي والمعنوي، وحسن النسق والتسهيم، وحسن البيان والإيجاز، وائتلاف اللفظ ومعناه، والمساواة وصحة المقابلة وتمكين الفاصلة. ومن ذلك قول الشاعر:
يا أيها المتحلي دون شيمته ... إن التخلق يأتي دونه الخلق