واحدة، وتلحق هذه التورية بالمجردة وتعد فيها قسمًا ثانيًا، وتصير مجردة بهذا الاعتبار. واستشهدوا على ذلك بقول الشاعر:

غدوت مفكرًا في سرّ أفق ... أرانا العلم من بعد الجهاله

فما طويت له شبك الدراري ... إلى أن أظفرته بالغزاله

وقالوا: إن الشبك من لوازم الغزالة الوحشية، والدراري من لوازم الغزالة الشمسية. قلت: أما قوله في تقريره: إن اللازمين إذا تكافآ ولم يترجح أحدهما على الآخر تصير التورية كالمجردة، فقريب. وأما الشاهد ففيه نظر، فإنه صدر بقوله: غدوت مفكرًا في سرّ أفق فالتفكر في سرّ هذا الأفق الذي أراه العلم من بعد الجهالة؛ لازم خاص يرجح جانب الغزالة الشمسية، وأما الشبك فاستعارة مرشح بالحسن لنجوم الدراري، وهي أيضًا مما يرشح جانب الشمس عند طيها، الذي أراد به الناظم غيابها، ولو كانت الشمس مجردة من الدراري، ربما كان للغزالة الوحشية بعض مقاربة، وعين الشمس هنا ما تغطى على الترجيح، والله أعلم.

واستشهدوا أيضًا على هذا بقول مجير الدين بن تميم:

وليلة بت أسقى في غياهبها ... راحًا تسل شبابي من يد الهرم1

ما زلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم

وقالوا أيضًا: إن الصبح من لوازم الغزالة الشمسية، والرعي من لوازم الغزالة الوحشية. قلت: أما الصبح فمن لوازم الغزالة الشمسية، كما قالوا، وأما رعي نرجس الظلم فليس من لوازم الغزالة الوحشية، وإنما هو استعارة مرشحة بالحسن للنجوم، وهي مثل استعارة الشباك والدراري، والغزالة الوحشية ليس لها هنا مرعى، فإنها أجنبية من رعي نرجس الظلم الذي هو عبارة عن النجوم، والله أعلم.

وقد تقدم قولي على الشاهد الذي أوردوه للبحتري، في التورية المبينة، بذكر لازم المورى عنه من قبل وقلت: فيه نظر، وهو قوله:

ووراء تسدية الوشاح ملية ... بالحسن تملح في القلب وتعذب

هذا الشاهد تعارض فيه اللازمان وتكافآ، وهو أقرب إلى المجردة، وما ذاك إلا أن الشاهد في قوله: تملح، يحتمل أن يكون من الملوحة، ولازمه تعذب، وهو المعنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015