طالَمَا بلَّد لبيدًا، وولى منه شعر ابن مقبل شريدًا، وقالت الآداب لبحتري لفظه ألم نربك فينا وليدًا، وإن نثر فما الدر اليتيم إلا تحت حجره، ولا الزهر النضير إلا ما ارتضع من أخلاف قطره، ولا المرسلون إلا من تصرف في ولاية البلاغة تحت نهيه وأمره. وإن تكلم على فنون الأدب روى الظما، وجلا معاني الألفاظ كالدمى، وقالت الأعاريض لابن أحمد وله: "خليلي هبا بارك الله فيكما".

هذا وكم أثنى قديم علم الأوائل على فكره الحكيم، وشهدت رواية الحديث النبوي بفضله، وما أعلى من شهد بفضله الحديث والقديم.

بدأتني أعزك الله، من الوصف بما قل عن مكاني، وكاد من الخجل يضيق صدري ولا ينطلق لساني. وحملت كاهلي من المنن ما لم يستطع، وضربت لذكري في الآفاق نوبة خليلية لا تنقطع، وسألتني، مع ما عندك من المحاسن التي لها طرب من نفسها، وثمر من غرسها، أن أجيبك وأجيزك وأوازن بمثقال كلمي الحديد إبريزك3، وأقابل لسانك المطلق بلساني المحصور، وأثبت استدعاءك على بيت مال نطقي المكسور، فتحيرت بين أمرين أمرَّين، ووقع ذهني السقيم بين داءين مضرين: إن فعلت ما أمرت به فما أنا من أرباب هذا القدر العالي، والصدر الحالي، ومن أنا من أبناء مصر حتي أتقدم لهذا الملك العزيز، وكيف أطالب مع إقتار علمي بأن أمدح وأجيز. وإني لمقيد خطوي هذه الوثبات، وأني يماثل قوة هذا الغرس ضعف هذا النبات.

وإن منعت فقد أسأت الأدب والمطلوب حسن الأدب مني، وأهملت الطاعة التي أقرع بعدها برمح القلم سني، وفاتني شرف الذكر الذي امتلأ به حوض الأفق وقال قطني4. ثم ترجح عندي أن أجيب السؤال، وأقابل بالامتثال، صابرًا على تهكم سائلي، معظمًا قدري كما قيل بتعاقلي5، منقادًا إلى جنة استدعائك من السطور بسلاسلي، وأجزت لك أن تروي عني ما تجوز لي روايته من مسموع ومأثور، ومنظوم ومنثور، وإجازة ومناولة ونقل وتصنيف، وتنضيد وتفويف6، وماض ومتردد، وآت على رأي بعض الرواة ومتجدد، وجميع ما تضمنه استدعاؤك فاجمع ما يكون من لفظه المتبدد، كاتبًا لك بذلك خطي، مشترطًا عليك الشرط المعتبر فليكن قبولك يا عربي البيان جواب شرطي، ذاكرًا من لمع خبري ما أبطأت بذكره وأرجو أن أبطئ ولا أخطي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015