أودية الأفكار، ولكن نقول: الأكابر والأولياء تبذل من الأجوبة جهدها وتنفق ما عندها، وتجرد الأماثل سيوف المنطق ولا تتعدى الاتباع من الطاعة حدها، ولما كنت أيها الراقم1 برود هذا الاستدعاء ببنانه، والمنشئ روض هذا السؤال بآثار السحب من بيانه والسائل الذي بهرت الأفكار فضائله، وسحرت أرباب العقول عقائله2، وأقام المسئول مقامًا ليس من أهله فليتق الله سائله، فريد فن الأدب الذي لا يبارى، وبحره الذي لا يهدي غائص قلمه الدرّ إلا كبارًا، وذا اليد البيضاء فيه الذي طال ما آنس من جانب الذهن نارًا، وخليله الذي اطلع على أسراره الدقيقة، ورئيسه الذي لو طارح ابن المعتز وتمت ولايته لكان أمير المؤمنين على الحقيقة، وناظمه الذي يسري الطائيان3 تحت علمه المنشور، وكاتبه الذي تتبجح4 العيدان بالدخول تحت رقه المأثور، طالما شافه5 منه القلم وجهًا جميلًا وقدرًا جليلًا، ولا في من لا يندم على صحبته فيقول ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا، فهو الغرس الذي يقصر عن أمالي وصفه الشجري، ويفخر الدين والعلم بشخصه ولفظه، فهذا يقول غرسي وهذا يقول ثمري، كم أغنى بمفرد شخصه عن فضلاء جيل، وكم بدا للسمع والبصر من بنات فكره بثينة ومن وجهه جميل، وكم تنزهت الأفكار من لفظه بين آس وورد لا بين إذخر6 وجليل، وكم دام عهده ووده حتى كاد يبطل قول الأول دليلًا على أن لا يدوم خليل. تود الشهب لو كانت حصباء غدير طرسه، وتغار الأفق إذا طرز يراع درجه7 بالظلماء أردية شمسه، ويتحاسد النظم والنثر على ما تنتج مقدمات منطقه من النتائج، وينشد كل منهما إذا حاول القول: "خليل الصفا هل أنت بالدار عائج". إن كتب أغضى ابن مقلة من الحسد على قذاه8، وحمل ابن البواب لحجبه عصا القلم قائلًا ما ظلم من أشبه أباه، وإن نحا النحو لباه عشرًا، ولانت أعطاف الحروف قسرًا. وتشاجرت على لفظه الأمثلة فلا غرو أن ضرب زيد عمرًا، يترجل كلام الفارسي بين يديه. ويطير لفظ ابن عصفور حذرًا من البازي المطل عليه. وإن شعر هامت الشعراء بذكره في كل واد، ونصبت بيوت نظمه على بقاع الشرف كما نصبت بيوت الأجواد،