قد كثر تكرار القول، بأن المراد من بيت البديعية أن يكون شاهدًا على نوعه، وإن لم يكن صالِحًا للتجريد لم يصح الاستشهاد به على ذلك النوع. وبيت الشيخ صفي الدين الحلي، هنا، غير صالح للتجريد، وعدم صلاحه للتجريد هو الذي عقده وحجب إيضاح معناه عن مواقع الذوق.
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم. وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته، يقول فيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم:
ذو معنيين بصحب والعدا ائتلفا ... للخلف ما أشهب البازي كالرخم1
قلت: إن هذين المعنيين، لشدة العقادة، أتعبت الفكر فيهما على أن يتضح لي منهما معنى فعجزت عن ذلك، والله أعلم. وبيت بديعيتي، أقول فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
سهل شديد له بالمعنيين بدا ... تألف في العطا والدين للعظم
وقد تقدم قولي: إن بيت بديعيتي منظوم في سلك الضرب الثاني، لكونه أبدع وأوقع في الذوق من الضرب الأول، وهو أن يشتمل الكلام على معنى وملائمين فيقرن بهما ما يلائم ويظهر باقترانه مزية فسهولة النبي -صلى الله عليه وسلم- قرنتها بالعطاء وناهيك بهذه الملاءمة وشدته، صلى الله عليه وسلم، قرنتها بالدين لعظمه، فأكرم بها ملاءمة وشرف قران. وقد ورد نص الكتاب بذلك في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 2 وقولي في القافية: للعظم، بعد ثبوت الشدّة للدين، في غاية التمكين. والله أعلم.